تقارير

كيف يمكن أن يؤثر مقتل عبد الملك الحوثي على الحوثيين وإيران؟

02/11/2024, 07:35:38
المصدر : المجلس الأطلسي - ترجمة خاصة

في 29 سبتمبر الماضي، بدأت شائعات بالانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي بأن طائرة هليكوبتر تقل قادة من الحرس الثوري الإيراني والحوثيين المتمركزين في اليمن تحطمت في جنوب غرب إيران.

وبحسب ما ورد، أسفر الحادث عن مقتل العديد من كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني وقادة الحوثيين، بمن فيهم رئيس تنسيق جماعة الحوثيين، محمد عبد السلام، وقائد الحوثيين عبد الملك الحوثي.

ومع ذلك، سرعان ما دحض المحللون هذه الادعاءات، مشيرين إلى أن وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية لم تذكر شيئا يشير إلى صحة هذه الشائعات. أثبت الحوثي لاحقا أنه على قيد الحياة، وبصحة جيّدة عندما ألقى خطابا مصورا في ذكرى السابع من أكتوبر، تأريخ الهجوم الذي قامت به حماس على إسرائيل.

وفي حين أن عبدالملك الحوثي لا يزال على قيد الحياة اليوم، فإن مقتله على المدى القريب سيؤثر على قدرة الجماعة على العمل، ويوسع فراغ القيادة داخل محور المقاومة الإيراني.

بعد صعوده إلى منصب القائد العسكري للحوثيين في عام 2004، ووفاة شقيقه حسين بدر الدين الحوثي، جعل عبدالملك الحوثي من نفسه قائدا لا غنى عنه للمتمردين. وقد تعززت حيويته في عام 2010 عندما حل محل والده، بدر الدين الحوثي، كزعيم ديني وسياسي للجماعة.

ومنذ إخضاع الجماعة لسيطرته الكاملة، نجح عبدالملك الحوثي في تحويل ما كان يعرف سابقا باسم "مليشيا رثة" إلى تنظيم عسكري يسيطر على جزء كبير من الأراضي اليمنية، وقادر على تهديد القوى الإقليمية، وتعطيل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

ومنذ بدء هجمات الحوثيين العام الماضي، أفادت التقارير بأن حركة المرور عبر قناة السويس انخفضت بنسبة 66 في المئة. وبالرغم من هذا التراجع والدلالة على تراجع نفوذ واشنطن، زادت السفن الصينية من عبورها في الممرات المائية الإستراتيجية، بسبب تفضيلها إيران والحوثيين.

ومن خلال استغلاله الفراغ الأمني الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة، أثبت الحوثي فائدته لمؤيديه في طهران؛ من خلال شن هجمات غير مسبوقة على الأراضي الإسرائيلية والشحن الدولي، بينما صمد -في الوقت نفسه- أمام الغارات الجوية التي شنتها عليهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل.

وفي شهر سبتمبر، أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا (أرض - أرض) قطع أكثر من 1200 ميل إلى تل أبيب، وتعرضت العديد من مدمرات البحرية الأمريكية "لهجمات معقدة" بواسطة صواريخ كروز ومسيّرات جوية في البحر الأحمر. وقد رفعت هذه الأنشطة بشكل كبير من المكانة الدولية للجماعة، مما منحها نفوذا قبل مفاوضات السلام مع المملكة العربية السعودية، ووضعها في موقع يمكنها من الاضطلاع بدور أكثر مركزية في الإستراتيجيات الثورية للحرس الثوري الإيراني.

إن الدور المهم الذي يواصل عبدالملك الحوثي القيام به في كل من اليمن وداخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها يمكن أن يجعله هدفا لإسرائيل، وهو خوف من شبه المؤكد أن يشتد نظرا لمقتل الأمين العام ل«حزب الله»، حسن نصر الله، وزعيم «حماس»، يحيى السنوار، مؤخرا.

غير أنه بغض النظر عن السبب المباشر لوفاة عبدالملك الحوثيين، فإن وفاته لن تعني نهاية سريعة للحوثيين مرة واحدة، بل ستؤدي بدلا من ذلك إلى دخول الجماعة بمرحلة من الغموض قد تتطلب من الجماعة نقل تركيزها لعملياتها من خارج حدود اليمن إلى الداخل.

وفي حال فشل القائد الحوثي القادم فيما حققه سلفه، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان الروح المعنوية، ودعم المقاتلين الحوثيين، فضلا عن فقدان تأييد ما يقدر بثلثي سكان اليمن الذين يعيشون تحت سيطرة الجماعة. وبالنظر إلى عدد سكان إجمالي تقريبي يزيد عن 32 مليون شخص، معظمهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فإن القدرة على حكم السكان المحليين بنجاح تظل ضعيفة إلا أنها ضرورية للحفاظ على السلطة.

وبما أن الكاريزما، التي يتمتع بها عبدالملك الحوثي والقيادة الكاملة داخل الجماعة، أدت إلى الصعود السريع للحوثيين على الساحة العالمية، فإن استبداله سيشكل تحديا. ففي حين يبدو أن شقيقه الأصغر عبد الخالق الحوثي هو البديل الأكثر منطقية، نظرا إلى أنه يعمل فعليا كالرجل الثاني في قيادة الحوثيين، وقاد أكبر لواء عسكري حوثي منذ سيطرة الجماعة على صنعاء في عام 2014، إلا أنه لم يتم تسميته علنا كخليفة له. ويعني هذا الغموض أنه يمكن أن ينافسه أفراد آخرون من العائلة، مثل أبناء عمومته (علي حسين الحوثي ومحمد علي عبد الكريم أمير الدين الحوثي)، أو الأخ الأكبر غير الشقيق يحيى بدر الدين الحوثي.

إلا أن الصراع الداخلي يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من عائلة الحوثيين. وبالرغم من ندرة الحديث عنه علنيا، إلا أن الاقتتال الداخلي بين قادة الحوثيين المحليين والموالين من المحافظات الشمالية كان، منذ فترة طويلة، يمثل مشكلة بالنسبة للمتمردين.

فبالرغم من أن هيكل قيادة الحوثيين يتسم بالمحسوبية العائلية، إلا أن الأطراف المتحاربة قد ترى في مقتل عبدالملك الحوثي فرصة لإنشاء فصيل منافس أو الإطاحة بخليفته، وربما تغيير علاقة الجماعة بإيران، أو نطاق تركيز عملياتها.

وبالرغم من دعمها من قبل إيران لمدة عقد من الزمن بالأسلحة والاستخبارات، إلا أن العلاقة بين صنعاء وطهران معقدة وليست دائمة بأي حال من الأحوال؛ مثل علاقة إيران مع وكلائها الإقليميين الآخرين في لبنان أو العراق. إن فقدان القائد سيكون بمثابة ضربة لإيران، على الأقل في البداية.

يعي الحوثيون- الذين طالما كانوا حذرين بشأن سلامته- جيدا أن قائدهم هو هدف رئيسي لأعدائهم. ففي عام 2009، قبل عدة سنوات من سيطرة الجماعة على العاصمة اليمنية التي استثارت التدخل الدولي، ذكرت وسائل الإعلام اليمنية كذبا أن عبدالملك الحوثي قتل بغارة جوية. ومنذاك، قلما يظهر بشكل مباشر لتجنب تعقبه، ولم يسبق له أبدا أن قابل وسائل الإعلام، ونادرا ما يظهر في الأماكن العامة.

كما تدرك إيران هذا الخطر، حيث زعمت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي -بعد وقت قصير من وفاة نصر الله- أن عبدالملك الحوثي، بالإضافة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، تم نقلهم إلى مواقع آمنة لتجنّب الهجمات الإسرائيلية.

وإذ ندرك أن العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية البارزة الأخيرة، مثل الهجمات على الاتصالات في لبنان واغتيال زعيم «حماس» إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، قد أثارت الذعر في صفوف الجماعة، فإن مقتل عبدالملك الحوثي لن يؤدي إلا إلى إيقاف الأنشطة الخبيثة للجماعة على المدى القصير.

إن الحلول طويلة الأجل، مثل منع إيران من إعادة تزويد الجماعة المسلحة ودعم الحكومة المعترف بها دوليا، لأمر ضروري للتصدي فعليا للخطر الحوثي في المنطقة وخارجها.

- لقراءة المادة من موقعها الأصلي: المجلس الأطلسي

تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.