تقارير

ما أسباب وتداعيات تخلّف اليمن عن ركب التعليم المتقدّم؟

12/10/2025, 12:28:56
المصدر : تقرير خاص

بُثّت حلقة المساء اليمني، يوم أمس، من قاعة مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين 2025، الذي تقيمه مؤسسة "توكل كرمان"، يومي السبت والأحد، في مدينة إسطنبول، حيث اجتمع مئات العشرات من الباحثين والخبراء اليمنيين من اليمن وخارجها، في مؤتمر غير تقليدي أراد أن يضع العقل في موقع القيادة بعد أن أتعبت البلاد الحرب والانقسامات.

جاء مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين 2025 تحت شعار "لا إمام سوى العلم"، أي ليقول: إن معركة اليمن الحقيقية ليست في الجبهات فقط، بل أيضًا في الوعي والمعرفة وبناء الدولة من جديد.

قُدّمت في الجلسات الأولى للمؤتمر، يوم أمس، ثلاث أوراق، كشفت عن عمق الجرح في التعليم الجامعي، وتغلغل الطائفية في الجامعات، وضياع الطالب بين الفقر والانهيار وتدهور البنية التعليمية، والتخلّف عن مواكبة التقدّم العلمي ووسائله الحديثة، وصولًا إلى غياب مشروع علمي وطني ينهض بالبلاد.

-تطييف المجتمع

يقول أستاذ التاريخ الإسلامي ومدير مركز التراث والثقافة بجامعة تعز، أ.د سعيد إسكندر: "في البداية نشكر مؤسسة 'توكل كرمان' على إقامة هذا المؤتمر العلمي الرائد بعنوان الباحثين والخبراء اليمنيين.. لا إمام سوى العلم، وهذا العنوان بحد ذاته رسالة بأن العلم هو أساس التقدّم وأساس نهضة الأمم وأساس الحراك داخل المجتمعات وتطوّرها وتقدّمها".

وأضاف: "الجبهة العلمية من أهم الجبهات، وهي أساس بناء البلدان وأساس بناء الوعي لمواجهة الانقلاب الحوثي الذي يريد أن يفرض الجهل والتخلّف على المجتمع، ولمواجهة كل المتغيرات الدولية والإقليمية التي هي بحاجة إلى العلم ومواكبة الحداثة والتقنيات الحديثة".

وتابع: "بالنسبة لنا في العلوم الإنسانية نركّز على موضوع الهوية الوطنية وأهميتها، ونركّز على جانب مهم وعلى مشكلة من المشاكل التي تعاني منها اليمن اليوم بعد الانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية، وهي مشكلة التعليم ومشكلة تغيير المناهج التعليمية ومحاولة فرض رؤية طائفية من خلال المناهج في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، سواء على مستوى التعليم العام أو الجامعي".

وأردف: "معلوم أنه، منذ انقلاب مليشيا الحوثي في سبتمبر 2014، بدأت هذه المليشيا تسابق الزمن في كيفية فرض مشروعها ورؤيتها الطائفية، للأسف الشديد".

وزاد: "كانت ورقتي اليوم في المؤتمر حول الجامعات، فالجامعات الحكومية والأهلية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين تحوّلت اليوم إلى ساحات أو ثكنات عسكرية وثقافية موجهة في مشروع طائفي مدمّر للهوية اليمنية".

وقال: "إذا عملنا تأصيلًا تاريخيًا للتغلغل الطائفي في اليمن، ففي الحقيقة يعود هذا إلى نهاية القرن الثالث الهجري منذ قدوم 'يحيى الرسي' إلى بلاد اليمن بأفكاره العنصرية وحصره السلطة والحكم في أسرة وسلالة معينة".

وأضاف: "جرى تطييف المجتمع عن طريق الأفكار، فبالأخير هو تعليم وثقافة وفكر ومؤلفات كانت تُؤلف، وبالتالي تصبح ملزمة للمجتمع الذي فُرضت فيه هذه الفكرة نفسها".

وتابع: "اليمنيون دفعوا أثمانًا باهظة وهم يقاومون هذا الفكر الاستعلائي العنصري عبر مراحل تاريخية كبيرة، حيث جاءت ثورة 26 سبتمبر وجاءت الجمهورية لتحمي الجميع بمن فيهم هؤلاء السلاليون".

وأردف: "الجمهورية كانت هي الضامن الحقيقي التي ترفع شعار العدالة والمساواة والحرية والكرامة للناس جميعًا، ونحن لا نطالب من الحوثي اليوم أو جماعته أكثر من أن يكونوا يمنيين فقط لا غير".

وزاد: "الجمهورية عندما جاءت أحدثت نهضة تعليمية وفتحت التعليم للناس، وبالتالي ذابت العنصرية والسلالية، لكن في غفلة من الزمن تمكّن هؤلاء من العودة بطريقة أو بأخرى".

وقال: "التطييف اليوم يتم من خلال المؤلفات الجديدة والندوات الثقافية والفكرية داخل الجامعات والمؤسسات، والمناهج التعليمية والتغييرات التي تُجرى اليوم في العلوم الإنسانية خاصة في مواد التاريخ والإسلامية واللغة العربية".

وأضاف: "على سبيل المثال، الحوثيون الآن بعد أن سيطروا على المناطق التي تحت سيطرتهم وعلى الجامعات الحكومية والأهلية ألّفوا كتبًا معينة، منها كتاب الثقافة الوطنية، وهذا الآن يُدرّس في الجامعات الحكومية والأهلية ويدرسه كل الطلاب إلزاميًا".

وتابع: "نحن عملنا قراءة لكتاب الثقافة الوطنية فوجدنا أن فيه تطييفًا خطيرًا".

وأردف: "هناك مشروع للحوثي، مشروع طائفي مستقبلي يريد من خلاله أن يجعل المجتمع اليمني كله وفق الرؤية التي يؤمن بها، وعلى رأسها ما يسمى بخرافة الولاية، وأنه الأحق بالحكم والسلطة".

وزاد: "الحوثي يحاول أن يؤصّل تاريخيًا ويستدعي صراعات تاريخية عمرها 1400 سنة، ويحاول أن يغيّرها ويغيّر أحاديث نبوية بطريقة غير سياقها لمحاولة تمرير مشروعه، من خلال الادعاء بالولاية لعلي -رضي الله عنه- وأولاده وذريته من بعده إلى قيام الساعة".

وقال: "هناك مثال بسيط، وأنا أقرأ في كتاب الثقافة الإسلامية بالرؤية القرآنية، أضافوا حديثًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى بلاد اليمن وقال: سيخرج من ولدي إلى بلاد اليمن رجل اسمه يحيى، يحيي به الله الدين، وهذا طبعًا حديث غير صحيح، يقصدون به يحيى الرسي".

-أسباب إعاقة الإنتاج الفكري

يقول أستاذ إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي ورئيس بحوث الأمن السيبراني بجامعة "إدنبرة نابير" في أسكتلندا، أ.د أحمد الدبعي: "أنا أشعر أننا تأخرنا في هذا المؤتمر، لكن أن نأتي متأخرين خير من ألا نأتي، حيث أتينا متأخرين في قضية التعليم، والتعليم هو الأساس".

وأضاف: "قدّمت ورقتي اليوم في المؤتمر في صناعة المعرفة، فعندما غابت صناعة المعرفة في اليمن تراكم هذا الكم من المشاكل في البلد سياسيًا واقتصاديًا ووصلنا إلى ما وصلنا إليه".

وتابع: "اليمن أنتج حضارات سابقة وكان تقريبًا الدولة الوحيدة في الإقليم التي أنتجت حضارات، ولكن ما حدث هو أن الإنتاج المعرفي توقّف في اليمن بسبب سوء إدارة الوضع الاقتصادي وسوء إدارة الدولة عبر حكومات متعاقبة لمئات السنين".

وأردف: "اليمن تعرّض لكمّ هائل من المشاكل التي أعاقت الإنتاج الفكري فيه، حيث كانت تحدث هناك إسهامات فكرية عميقة في التاريخ والأدب والعلوم والفقه، ولكن بشكل فردي".

وزاد: "السبب الرئيسي كما أتصور هو غياب المؤسسات التي تقود عملية التفكير أو تتبنى إعمال العقل، بمعنى أننا البلد الوحيد الآن في الجزيرة العربية الذي لا يمتلك مجلسًا وطنيًا للبحث العلمي".

وقال: "المجلس الوطني للبحث العلمي، فُكّر فيه من قبل، لكن كان ضمن وزارة التعليم العالي، والفكرة لم تكن مكتملة، إذ اقتصرت وزارة التعليم العالي على البعثات فقط".

وأضاف: "لم يكن لدينا مجلس وطني حقيقي يتلقى دعمًا مستدامًا من الحكومة والقطاع الخاص بحيث يمول البحوث، ونصبح لدينا ميزانية ولو بنسبة واحد أو نصف بالمائة لهذا المركز".

وتابع: "تطرّقت اليوم لتجارب ناجحة مثل تجربة مشروع صندوق النشء والشباب الذي كوّن في التسعينات، وهي فكرة بسيطة لكنها كوّنت ميزانية حققت الكثير في مجال الرياضة".

وأردف: "ما ينقصنا في اليمن أننا نريد كيانًا للبحث العلمي في البلد لديه تمويل مستدام، لا نريد بحثًا علميًا قائمًا على المزاجية، نريد بحثًا تدعمه مؤسسة قادرة على الحياة والصمود أمام التحديات".

وزاد: "أن يكون لدينا مجلس وطني للبحث العلمي، ليس فقط لدعم البحوث بل أيضًا لصناعة أفكار واستراتيجيات وطنية عليا في كافة المجالات: التعليم، الطاقة، التغذية، وإيجاد إستراتيجية وطنية لتحديد المشاكل الكبرى للوطن وتسخير الإمكانيات العلمية والعقلية في الداخل والخارج لحلها بأسلوب علمي حقيقي".

-ظروف مركبة

يقول أستاذ هندسة الطاقة المتجددة ونائب عميد كلية الهندسة للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة تعز، د. مختار محمد العمراني: "نحن جئنا من اليمن من وسط طلابنا ومن وسط مؤسساتنا التعليمية لنتحدث عن معاناة الطلاب والأساتذة الجامعيين والمؤسسات التعليمية الجامعية في ظل الظروف المركبة والمعقدة والحرب التي طالت أكثر من عشر سنوات وأصبح أثرها واضحًا وكبيرًا على الجميع؛ الدكتور الجامعي، والطالب، والجامعة نفسها".

وأضاف: "دائمًا كنا نسمع عن مؤتمرات سياسية تستضيف شخصيات من خارج اليمن، ومن هم خارج اليمن لا يعانون مثل الذين أتوا من وسط المعاناة والوسط التعليمي".

وتابع: "المؤتمرات المتخصصة مهمة جدًا، والتي تركز على الكهرباء والطاقة والتعليم، فهذه هي أكثر المؤسسات التي انهارت بسبب الحرب".

وأردف: "كثير من المواطنين لا تهمهم الآن السياسة كثيرًا، لأنهم قد شبعوا منها، ويريدون أن يحافظوا على الأقل على تعليم أبنائهم، لأن تعليمهم يعني أنه سيكون مصدر رزق لهم في المستقبل، ولذلك الناس متمسكون بتعليم أبنائهم قدر الإمكان".

وزاد: "هناك أسباب رئيسية لتسرب الطلاب، وهو عدم قدرة الأسرة على دفع مصاريف التعليم، خصوصًا في اليمن حيث الأسرة الواحدة لديها أربعة أو خمسة أو ستة أبناء وبنات، ولا تستطيع أن توفّر التعليم للجميع".

وقال: "قبل الوضع المعيشي، الحرب هي التي أثّرت على الأسر لأنها سببت النزوح وخسارة الأعمال وأدّت إلى تدهور العملة الوطنية، فالأب لم يعد قادرًا على فعل شيء، ولذلك يتسرب الناس".

وأضاف: "ذكرت اليوم رقمًا مبنيًا على إحصاءات حقيقية، أن نسبة التسرب الجامعي في اليمن ارتفعت إلى 46%، منها 48% في مناطق الشمال و43% في مناطق عدن".

وتابع: "نسبة الطلاب الذين يلتحقون بالجامعات والمعاهد الفنية وكلية المجتمع فقط 54%".

وأردف: "الشاب عندما يتعلم ويحصل على مهنة يعني أن هذا مشروع لتحويل أسرة فقيرة إلى أسرة غنية في المستقبل، لكن عندما يذهب إلى سوق العمل وهو خريج ثانوية، وحتى الثانوية فيها مشكلة، فبالتأكيد سيعمل في أعمال لا ترفع مستوى أسرته ولا تساهم في بنية المجتمع وتطوره".

 

تقارير

هل لا يزال مجلس القيادة الرئاسي قادرًا على إدارة البلاد وإنهاء الانقلاب؟

الاجتماع الأخير لمجلس القيادة الرئاسي في الرياض لم يكن عاديًّا، حيث تقول المصادر إنه شهد تجاذباتٍ حادَّة وتوتُّرًا في المواقف، عقب إبطال اللجنة القانونية القرارات الأخيرة التي أصدرها عضو المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي.

تقارير

د.إلهام مانع لموقع بلقيس: اليمن يعيش تعددية غير منظمة والحرب نقلت السياسة من مؤسسات الدولة إلى الأفراد

في ظلّ التحوّلات العميقة التي يعيشها اليمن منذ أكثر من عقد، وما خلّفته الصراعات من تعقيدات سياسية واجتماعية، تبرز الحاجة إلى التساؤل عمّا إذا كان الحديث عن “واقع الحياة السياسية” في البلاد ما يزال ممكنًا، وكيف يمكن قراءة المشهد السياسي اليوم في ظلّ التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع.

تقارير

مؤتمر الخبراء والباحثين اليمنيين بإسطنبول يناقش أزمات الصحة النفسية وجودة الأدوية

باحثون وأكاديميون يمنيون يناقشون خلال جلسة علمية ضمن مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين المنعقد في مدينة إسطنبول، والذي تنظمه مؤسسة توكل كرمان، عددًا من القضايا الصحية والعلمية التي تمس واقع المجتمع اليمني في ظل ثمانية عقود من الصراعات وما خلفته من أزمات ممتدة أثرت على الإنسان ومؤسسات الدولة على حد سواء.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.