تقارير

مجاري السيول.. مكب للمخلفات ومصدر للقلق والأمراض في تعز

19/06/2022, 14:52:39

أضحت مجاري السيول في مدينة تعز، الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية منذ العام 2015، مكباً للنفايات والأتربة ومخلفات البناء وغيرها، ما يتسبب بانسدادها بين الحين والآخر، ويحوّلها إلى بُؤرة للروائح الكريهة وحاضنة للذباب والبعوض ومصدر للأمراض والأوبئة، التي تطال العشرات.

أحدث ذلك تغيرا ملحوظا في وظيفة تلك القنوات، التي أنشئت خصيصاً لتصريف مياه الأمطار، وتجنيب المدينة كارثة الفيضانات والسيول، التي لا يمكن تفاديها في ظل التكدّس المستمر لمئات الأطنان من النفايات، وعلى طول مجرى السيول، الذي ينطلق من جنوب المدينة، ويتوسط عددا من الأحياء السكنية، ثم ينتهي خارجها عند منطقة التصريف الواقعة في شمالها.

يطول أمد هذه المعضلة للعام الثامن على التوالي، ويضيف كارثة أخرى إلى جانب كارثتي الحرب والحصار المطبق على المدينة من قِبل مليشيا الحوثيين، وهو ما 

يثير جدلاً واسعاً وسخطاً كبيراً في أوساط المواطنين والناشطين والمهتمين بالشأن الصحي والبيئي، الذين يستهجنون الغياب الملحوظ للسلطات المحلية وتقاعسها عن رفع المخلفات، ومنع رميها في مجاري السيول.

وتشوّه المظهر الجمالي والحضاري للمدينة، وتجعلها عُرضة لمخاطر السيول، كما تلوّث البيئة وتشكّل مصدر إزعاج وقلق للمواطنين وتتسبب لهم بالعديد من الأمراض والأوبئة، التي تزايد معدل انتشارها لأسباب متصلة بتراكم المخلفات في مجاري السيول، تقول مصادر متطابقة لموقع "بلقيس".

الناشط والكاتب الصحفي عبدالواسع الفاتكي يذكر لموقع "بلقيس": "غياب صندوق النظافة والتحسين وغيره عن القيام بدوره، وعدم توفر براميل قمامة كافية، وغياب الإجراءات اللازمة، دفع المواطنين إلى اتخاذ مجاري السيول مكباً للقمامة، لكونها أماكن مفتوحة وبعيدة، في حسبانهم، عن الطرقات". 

من جهة أخرى، يحمّل البعض مكتب الأشغال العامة والطرق في المحافظة مسؤولية تحويل قنوات تصريف السيول إلى مقلب لمخلفات البناء، ويتهمونه بالتقاعس عن متابعة ما يحدث من أعمال إعمار وترميم، ومنع أصحابها من إلقاء المخلفات في السائلة، وضبط المخالفين.

- تفاصيل 

وتتعدد مصادر القمامة المتكدّسة في مجرى السيل، الذي يمر بحي ديلوكس وشارع التحرير الأسفل وعصيفرة وغيرها، ويوضّح مواطنون لموقع "بلقيس": "رمي النفايات في هذه الأجزاء من السائلة لا يقتصر على سكان الأحياء المجاورة بل يتجاوزهم إلى نظرائهم في الأحياء الأخرى، التي يأتي منها أشخاص بسياراتهم وباصاتهم، ويرمون النفايات الخاصة بمنازلهم ومحلاتهم في ممرات السيول".

ويشاهد بين الحين والآخر بوابير وسيارات محمّلة بكميات كبيرة من الأتربة ومخلّفات البناء، وهي تلقّي حمولتها في داخل السائلة، أو على مقربة منها حسب المواطن سعيد محمد (58 عاماً)، الذي أشار إلى أن تلك المركبات تأتي أحياناً برفقة مسلحين لمواجهة أي شخص يقوم بمنعهم.

وتغض النّقاط الأمنية والعسكرية الطرف عن الشاحنات المحمّلة بالمخلفات والمتجهة نحو السائلة لإفراغها، كما تسمح بمرورها مقابل دفع مبلغ مالي، وهو ما يشير إليه المواطن هاشم أمين (35 عاماً)، الذي يجري هذه الأيام عملية صيانة لمنزله في حي المغتربين بوسط المدينة، وينقل المخلفات إلى السائلة المجاورة، ويدفع 3 آلاف ريال لإحدى النقاط الأمنية التي تعترضه.

ويعد إفراغ مخلّفات البناء في السائلة عملا منظما، ويتزايد بفعل تفشّي البلطجة والفوضى حسب مدير مكتب الأشغال العامة في المحافظة عبد الحكيم الشميري، الذي ذكر لموقع "بلقيس" أن المسلحين يتكسبون من وراء رمي تلك المخلفات، ويتولون عملية إفراغها نيابة عن المواطنين، وذلك مقابل أخذ مبالغ مالية منهم.

 

وتتفاقم معانات السكان المقيمين بالقرب من مجاري السيول بفعل الروائح الكريهة المنبعثة، التي تُزكم أنوفهم وتحاصر مئات الأسر، وتجعل منازلها غير صالحة للعيش، رغم محاولاتها المستمرة لتلطيف الأجواء عبر استخدام الروائح العطرة والبخور.

ويصعب على البعض تحمّل تلك الروائح، ويدفعهم نحو التفكير بمغادرة منازلهم، والتخلي عن ذكرياتهم، وشقى عمرهم الذي أنفقوه لبنائها حسب المواطن عبدالله سيف (52 عاماً)، الذي أخلى قبيل أشهر منزله المجاور للسائلة، وعرضه للبيع، لكن الثمن البخس الذي عُرض عليه جعله يفكر أيضاً بتأجيره، ولكن دون جدوى.

- تداعيات

في المقابل، يحاول البعض التعايش مُكرهاً مع الوضع لافتقارهم إلى منازل بديلة، وعدم قدرتهم على استئجار أخرى، والإفلات من كابوس النفايات المتكدّسة في مجاري السيول، الذي لا يؤرّق عشرات المواطنين بل يثير مخاوف السلطات الصحية، التي حذّرت مراراً من تداعياته الكارثية.

ويذكر مدير مركز الترصّد الوبائي في تعز الدكتور ياسين الشريحي، لموقع "بلقيس":

"يؤدي تكدّس مجاري السيول بالنفايات إلى تلوث المياه الجوفية، وانتشار الكثير من الأمراض والأوبئة بما فيها الملاريا والكوليرا وحمى الضنك، التي تنتشر خلال فصل الصيف، نتيجة تكاثر البعوض في مثل هذه الأماكن".

ويضيف "تصبح مجاري السيول بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والذباب، الذي ينقل الجراثيم والميكروبات من المخلفات، ويلوث بها المياه والأغذية المكشوفة في الشوارع والمنازل، وبالتالي يتسبب بنقل الكثير من الأوبئة".

وتتضاءل جهود رفع المخلّفات من قنوات تصريف السيول التي شهدت -خلال السنوات الماضية- عمليتي تنظيف الأولى نفذها الناشط سمير إسماعيل في مارس من العام 2019، فيما دشنت الثانية في أواخر ديسمبر من العام 2020 من قِبل السلطة المحلية، التي قامت برفع المخلفات وتغطية 5 آلاف متر من ممرات السيول، فيما لم تستكمل منها سوى قناتي وادي القاضي والنجيشة.

ويرجع مصدر مسؤول في قيادة السلطة المحلية بتعز استمرار تكدّس النفايات في مجاري السيول إلى تواضع إمكانيات صندوق النظافة وافتقاره للمعدات اللازمة والحصار المفروض على المدينة من قِبل مليشيا الحوثي، الذي حال دون الوصول إلى مقلب القمامة الواقع تحت سيطرة المليشيا، وتحديداً في مفرق شرعب.

ويصعب على صندوق النظافة مواجهة المشكلة بمفرده، لامتلاكه عددا ضئيلا من المعدات، وسيطرة مليشيا الحوثي على معظم إيراداته، وعدم توريد معظم المديريات المحررة مخصصاته المالية،

وافتقاره للميزانية التشغيلية الكافية، وعدم الانتظام في صرف رواتب عماله المتواضعة، وغياب الوقود والعجز عن تأمينه، وصيانة المعدات، حسب مصادر مطلعة في الصندوق.

- الوضع الوبائي

وفيما تتأخر الحلول الرسمية، منذ سنوات، خيّم الإحباط في أوساط المواطنين، وهو ما تغير مؤخراً بالتزامن مع تعيين الناشط سمير إسماعيل مديراً عاماً لصندوق النظافة، الذي أقر -في منشور له على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك (رصده موقع بلقيس)- بمشكلة المخلفات المتكدّسة في مجاري السيول.

ونشر إسماعيل صورة فوتوغرافية تبرز مدى بشاعة المنظر، كما تحدث عن توجهات لنصب كاميرات مراقبة حول السائلة، وفرض غرامة مالية مقدارها 20 ألف ريال على كل شخص يقوم برمي المخلفات فيها.

وتشكّل المخلفات المتكدّسة في قنوات السيول بيئة خصبة وجاذبة للحشرات والقوارض، التي تنتشر في المنازل المجاورة، وتفاقم من حجم المخاطر المحدقة بسكان المدينة، التي يسوء فيها الوضع الصحي والوبائي إلى حد كارثي.

وتتفشّى في مختلف المديريات المحررة عدد من الأمراض، أبرزها الملاريا وحمى الضنك والكوليرا والحصبة والحميات الفيروسية والتهاب السحايا، وغيرها من الأوبئة، التي سجلت هذا العام مئات الإصابات المؤكدة والمشتبهة، وأحرزت تزايداً ملحوظاً وبنسب تفاوتت من مديرية إلى أخرى، حسب التحليل الوبائي الصادر عن مركز الترصد الوبائي في المحافظة، الذي حصل موقع "بلقيس" على نسخة منه.

وتستقبل المرافق الصحية عشرات الحالات المصابة بأمراض، مصدرها النفايات المتراكمة، ما يدفع المواطنين نحو حرقها، الأمر الذي يتسبب بتصاعد الدخان والمركبات السامة منها، التي تلوث الهواء وتزيد من حالات الإصابة بالاختناق والربو والأمراض الجلدية والسرطان، كما يقول أطباء لموقع "بلقيس".

قناة بلقيس - هشام سرحان - خاص
تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

تقارير

لم يبقَ له شيء.. مأساة مستثمر يمني يتجرد ظلمًا من الممتلكات والهوية في السعودية

بعد سنوات طويلة من العمل والغربة، وادخار رأس مال لافتتاح مشروعه الخاص، وجد المغترب في المملكة العربية السعودية بليغ محمد صالح المقرمي نفسه ضحية لظلم النافذين الذين لم يتحملوا رؤيته يسطر قصة نجاحه بعرق الجبين وكفاح السنين، فحاكوا حوله المؤامرات ليسلبوه كل ما حققه من إنجاز.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.