تقارير

مرافق حكومية في تعز.. دمار ونهب أوقف أنشطتها وسرّح عامليها

21/10/2021, 16:37:47

قناة بلقيس - هشام سرحان

التشوّهات والنّدوب والتجاعيد العميقة، التي أثخنت وأوهنت وأنهكت جسد العديد من المرافق الحكومية في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، ليست من معالم الشيخوخة بل أحد مظاهر الخراب الذي حلَّ بها، والعبث  الذي طالها، وشلّ حركتها، وأدخلها في غيبوبة مُزمنة لم تستطعْ اليوم أن تفِق منها أو تستعيد عافيتها التي فقدتها خلال سنوات الحرب الدائرة منذ العام 2015.

متلازمتا الدّمار والنّهب أصابت كلاً من مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة والنشر ومؤسستي المياه والكهرباء ومبنى كلية الآداب والمتحف الوطني وإدارة الأمن والمدارس والمعاهد وغيرها من المرافق، التي أضحت مجرد  أطلال ومبانٍ خاوية على عروشها.
تترسَّخ في الذَّاكرة الرّسمية والمجتمعية العديد من الحوادث، إذْ لم يغبْ عن بال البعض، ما تعرَّضت له بعض تلك المرافق من نهبٍ طال الأبواب والنوافذ والأجهزة والأثاث والكراسي، وأدوات الإضاءة والكهرباء، وأسلاك التوصيل النُّحاسية داخل الجدران، وكابلات الضغط العالي السطحية، والمدفونة في الأرض، وكذلك المولِّدات والأواني، والمعدات، وأنابيب المياه، والحنفيات، والمراوح، والمُكيّفات، والستائر، والمفروشات، وغيرها من المستلزمات.

يتذكَّر ناشطون وطلاب وسكان محليون في أحاديث متفرِّقة لموقع "بلقيس" المشهد المُرعب الذي بدا عليه مبنى كلية الآداب، الذي وجدوه ذات يوم خالياً من كل شيء عدا الجدران والآثار التي خلّفتها عملية إحراق الغلاف البلاستيكي لأسلاك وكابلات الهواتف والكهرباء في حوش المبنى، وذلك قُبيل نقلها وبيعها بثمن بخسٍ، أُسوة بغيرها من المسروقات.



بعد تسليم جماعة أبو العباس، التي يتزعّمها القيادي السلفي عادل عبده فارع الموالي للإمارات، العديد من المرافق الحكومية، شرق المدينة، لقوات الأمن الخاصة، وجدت كلية الآداب بأقسامها وقاعاتها مُفرغةً من مئات الكراسي والمقاعد والطاولات، ومعمل الحاسوب، والطابعات، والمكاتب، وإسطوانات الإطفاء، وأنابيب المياه وغيرها، يقول الطالب شهاب فرحان (27 عاماً) لموقع "بلقيس".

يجرُّ فرحان تنهيدة عميقة وهو يلفت إلى أنه تم نهب كافة محتويات الكُّلية، ونزع الكابلات الأرضية، وشدِّها باستخدام الأطقم والعربات، ثم فصل الأسلاك المعدنية عن البلاستيك، بالإحراق، ثم نقلها على متن أطقم خاصة بتلك الجماعة المتطرِّفة المدعومة من أبو ظبي، لبيعها بثمن زهيد.

* مرافق منهوبة

مؤسسة الجمهورية للصحافة تأسست في مطلع ستينات القرن الماضي، وتصدر عنها صحيفة الجمهورية، التي مثَّلت صوت الإنسان، ولسان حاله، وانتهجت سياسة تحريرية مغايرة للعديد من الصُّحف الحكومية، ما أكسبها -خلال فترة صدورها- مكانة متميزة في نفوس القُراء والمُتابعين والمثقفين وغيرهم.
 
نال الصحيفة الرسمية الوحيدة في تعز نصيب الأسد من العبث والسرقة، الأمر الذي أخرجها عن الخدمة، وسرّح عامليها، وأعجزها عن تمالك قواها، والعودة إلى قُرائها، الذين ترك غيابها -في أوساطهم- فجوة كبيرة وفراغا كبيرا لا يملؤه سوى عودتها إلى الصدور، وهي عودة مستحيلة جراء النّهب الذي طالها والإهمال والتجاهل الرسمي الذي تعرّضت له.

تقول مصادر متطابقة لموقع "بلقيس" إن قوات الأمن الخاصة والشرطة العسكرية تسلَّمت -سابقاً- مبنى مؤسسة الجمهورية من أحد التنظيمات المتشددة خاوياً، إذْ تعرّض لنهب كبير من قِبل عناصر متطرِّفة وتابعة لأحد القيادات المتشددة في تنظيم "أنصار الشريعة".

وأضافت أن القيادي المتشدد، حارث العزي، الذي ظهر في لحظة التسليم بالزَّي العسكري، نهب معدات وأجهزة صحيفة الجمهورية، التي تقدّر قيمتها بملايين الدولارت، وقام ببيع المطابع التجارية، والمواد والأوراق والأحبار  في العام 2016، بثمن بخس.



من بين المعدات، التي نهبها العزي، المطبعة المخصصة لطباعة الصُّحف، وتبلغ قيمتها ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف دولار، ما يعادل اليوم أربعة مليارات وخمسمائة مليون ريال، إلى جانب جهاز متطوّر وخاص بالكليشات، تصل قيمته إلى 300 ألف دولار، ما يعادل 400 مليون ريال، طبقاً لمصدر أمني.

لم تتدخلْ الحكومة الشرعية، ووزارة الإعلام، والسلطة المحلية في محافظة تعز، لإنقاذ صحيفة الجمهورية، واستعادة المنهوبات، والقيام بترميمها وتأهيلها وتجهيزها وتأثيثها، ورفدها بالأجهزة والمعدات اللازمة لعودتها، وإستئناف عملها وأنشطتها، ولو بشكل جزئي.

*تبعات

مع توقّف هذه الصحيفة، تشرّد عشرات العاملين فيها، وتشتتوا، وتفرَّقت وجهاتهم، وتردّت أوضاعهم المادية والمعيشية، وتوجَّهوا نحو مزاولة أعمال أخرى لا تمت بصلة إلى مهنتهم، وهو ما يشير إليه مصدر مسؤول في الصحيفة، التي بادرت قيادتها نحو لملمت شتاتها، واستعادة بعض أجهزة "الماكنتوش"، ودفعت للناهبين مبالغ مالية كبيرة مقابل كل جهاز.

استأجرت إدارة الصحيفة شقة، وتواصلت مع رؤساء الحكومات المتعاقبة، آملةً اعتماد موازنة تشغيلية لازمة لإصدار الصحيفة، لكن ذلك لم يحدث حسب المصدر، الذي أشار -في حديثه لموقع "بلقيس" دون أن يدلي باسمه- إلى أن الحكومة الشرعية لم تتجاوب مع التحرّكات التي قادتها هيئة التحرير، ولم تعتمد ميزانية للصحيفة أُسوة بغيرها.

يضيف المصدر أن قيادة السلطة المحلية وجَّهت بإطلاق الموقع الإلكتروني للصحيفة، ووعدت باعتماد مبلغ 250 ألف ريال شهرياً، إلى أن يتم اعتماد الميزانية، وبدء طاقم الصحيفة بالعمل، لكنّهم تعرَّضوا -في الأسابيع الأولى- لإطلاق نار من قِبل مسلح مجهول.

يوضّح -وهو مسؤول رفيع في الصحيفة- لموقع "بلقيس": "الحادثة متعمّدة، وتمّت بإيعاز من قيادات ومسؤولين كبار، كما تأتي في إطار الصراع الذي يدور خلف الكواليس حول توجُّه الصحيفة وعامليها، ومحاولة ترهيبهم ومنعهم عن مزاولة العمل، والتوجّه نحو استبدالهم بموظفين آخرين، ينتمون لطيف سياسي مُعين".



المتحف الوطني، الذي كان يحوي مخطوطات وسيوفاً أثرية وتماثيل وقطعاً أثرية قديمة ونادرة تعود إلى حقب زمنية مهمّة كالعهد 'السبئي' و'الحميري' و'الإسلامي' و'الرسولي' و'العثماني'، ويمثل هُوية البلاد وماضيها وتاريخها وثقافتها وموروثها وتراثها، ووجْهة مفضّلة للكثير من الزوّار المحليين والأجانب، كما يؤكّد على عُمقها التاريخي والحضاري، وعظمة الإنسان اليمني، تعرض -في بداية الحرب- للتدمير والإحراق والعبث.

تم نهب معظم مقتنياته من قِبل لصوص الآثار، وأتباع جماعة أبو العباس المدعومة إماراتياً، فأغلق أبوابه، وتوقف عن استقبال الكثيرين من مرتاديه والشغوفين بزيارته، وتؤكّد رواية رسمية أنه تم سرقة قرابة 50% من المخطوطات والقطع الأثرية القديمة والقيِّمة والنادرة، التي يمتد عُمرها لمئات السنين، وعدّت ذلك تجريفاً للتاريخ، وطمساً لهُوية وثقافة وماضي البلاد.

*مسلسل النَّهب

لم تكن العديد من المرافق العامة بمنأى عن مسلسل النَّهب المُرعب، الذي لم يبقَ في بعضها سوى الجدران والأسقف الإسمنتية، وتوجّه مصادر متطابقة أصابع الاتهام إلى الجماعات المتشددة، ومليشيا الحوثيين، والأطراف المشاركة في قتالها، والجماعات المسلحة الأخرى، ومواطنين، ولصوص، وعناصر محسوبة على أجهزة الأمن والجيش الحكومي، وتابعين لنافذين وقيادات ومسؤولين.

ممتلكات مؤسسة المياه في تعز تعرّضت للنَّهب من قِبل عناصر محسوبة على أحد الألوية العسكرية، وفقاً لما أوردته مذكرتان موجّهتان من مدير عام المؤسسة إلى الأجهزة الأمنية، جاء في إحداهما أن جندياً نهب وايت ماء (صهريج) وآخر نهب مولدا كهربائيا من بئر مدينة 'النور'، كما استولى على البئر واستغلها لصالحه لعامين، ومنع المؤسسة من تشغيلها، وضخ المياه للمواطنين في مدينة تعيش أزمة مياه حادة، وتتوقف فيها عملية إمدادهم بها للعام السابع على التوالي.

مؤسسة الكهرباء تعرّضت -أيضاً- للدمار، وسلسلة من أعمال النهب، التي من أبرزها: نهب حوالي 80 مولداً، إلى جانب محولات وكابلات ومعدات أخرى، الأمر الذي تسبب في انقطاع خدمة الكهرباء الحكومية عن المواطنين، وفاقم معاناتهم، وجعلهم عُرضة لابتزاز واستغلال أصحاب محطات التوليد التجارية.

مصادر صحفية ذكرت أن عدد المولدات، التي تم سرقتها من محطة كهرباء 'عصيفرة'، بلغ 35 مولدا كهربائيا بقوة 2 ميجا، إلى جانب محولات وكابلات ومعدات أخرى، كما وثّقت منذ تحرير مدينة تعز من مليشيا الحوثيين عمليات نهب مماثلة لأكثر من 16 مولدا كهربائيا تابعا لعدد من المرافق العامة.

تقارير

مخيمات النزوح في مأرب.. إهمال حكومي وكوارث متكررة

يعيش ملايين النازحين في محافظة مأرب ظروفا إنسانية كارثية تتفاقم مع مرور الوقت، وتهدد حياتهم بشكل مباشر، ومن أوجه المعاناة أن العديد من الأسر النازحة تضطر إلى العيش في خيام متلاصقة، مما يشكّل بيئة خصبة لانتشار الحرائق والأوبئة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.