تقارير

مسار الأزمة اليمنية بين جمود الحرب واستحالة السلام

09/08/2025, 06:29:08

دخلت الأزمة اليمنية نفقًا طويلًا من الجمود؛ فلا الحرب انتهت، ولا السلام تحقق.

وعلى الرغم من الآمال التي علقها البعض على الهدن الأممية في أنها ستكون مدخلًا لإنهاء الحرب وإحلال السلام، إلا أن ذلك لم يتحقق بعد أكثر من ثلاثة أعوام من توقف العمليات العسكرية.

وبدلًا من ذلك، تحولت الحرب إلى جبهات أخرى، أبرزها ما يسمى الجبهة الاقتصادية، التي كان المتضرر الأول منها هو المواطن، في ظل الانهيار الاقتصادي الشامل الذي ترزح البلاد تحت تأثيره.

- لا غالب ولا مغلوب

يقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية عبد الغني الإرياني: "علينا أولًا أن نحدد ما هو السلام؛ هناك نوعان من السلام: سلام المنتصر، وسلام لا غالب ولا مغلوب".

وأضاف: "نحن نسعى منذ سنوات لسلام لا غالب ولا مغلوب؛ لأن سلام المنتصر — أي انتصار الحكومة على الحوثي - غير وارد. وانتصار الحوثي يعني تقسيم اليمن وتفكيكها، لأن الجنوب لا يمكن أن يقبل بحكم الحوثي، وتعز لا يمكن أن تقبل بحكم الحوثي، ومأرب لا يمكن أن تقبل بحكم الحوثي، وبالتالي حالة انتصار الحوثي غير مقبولة".

وأوضح: "في حالة الحديث عن السلام -سلام لا غالب ولا مغلوب- لا بُد أن يكون هناك توازن في القوى".

وتابع: "الآن واضح أن الحوثي متفوق بشكل كبير على كل الجماعات الأخرى، وبالتالي نحن بعيدون عن السلام".

وزاد: "الحرب -للأسف- قد ثبت أنها ليست مسارًا يؤدي إلى نتيجة"، مشيرا إلى أن "الذي سيحدث هو استمرار الوضع كما هو، لكن هناك متغير مهم جدًا لا بُد أن نأخذه في الاعتبار".

وأردف: "في الحقيقة أن مسار الأحداث في اليمن ستحدده المواجهة بين إيران وأمريكا وإسرائيل".

واستطرد: "الحوثيون الآن متأهبون كل التأهب للمشاركة في المعركة بجانب إيران، وفي حال انكسرت إيران، أو في حال صمدت، فإن الوقت سيكون مثل ما هو عليه الآن تقريبًا".

وتابع: "بالرغم من أن إيران ستضعف كثيرًا بعد المعركة القادمة، لكن سيظل الحوثي معتمدًا عليها، وبالتالي يظل فارق القوة بين الطرفين كبيرًا جدًا".

وقال: "في رأيي أن هذا يمكن أن يؤدي إلى أن السعودية تقرر الدخول في حرب محدودة مع الحوثي لتعديل موازين القوى".

وأضاف: "هناك أكثر من فهم لهذا الوضع؛ بالنسبة للحكومة هم مدركون أنهم لا يستطيعون أن يغيروا في القوة العسكرية شيئًا، بسبب انقسامهم وعدم توحد جبهتهم. وبالنسبة للحوثي، فهو يعتقد أنه يستطيع أن يأخذ عدن، ويستطيع أن يأخذ حضرموت أو المهرة، أي يستطيع أن يتقدم في مناطق أخرى من اليمن، طبعًا كونه يتقدم غير كونه يسيطر ويستقر ويستمر فيها".

وتابع: "على الأغلب أنه سيجد مواجهات قوية تؤثر على سيطرته، لكن الحوثي ليس بحاجة لأن يحارب؛ لأنه إذا تم له ما يريد، فهو يتوقع أن السعودية ستنفذ اتفاقًا معه".

وأوضح: "الفرق هو أنه بعد نهاية المعارك بين إيران وأمريكا وإسرائيل ستعود المفاوضات، وسيحاول الحوثي العودة إليها، لأنه يستطيع أن يحصل على الكثير على طاولة المفاوضات، بسبب انقسام وضعف الحكومة الشرعية، وهو يخطط على المدى البعيد للسيطرة العالية الكاملة".

وأردف: "لكن في قناعتي، هو لا يستطيع أن يعمل ذلك؛ فالشعب قد اعتبر حكمه غير مقبول، بسبب قسوته وفساده، وإلى آخره. فأنا أتوقع أن نرى تحركًا ما بعد توقف المعارك القادمة بين إيران وإسرائيل".

وزاد: "أما من ناحية ضعف الحكومة، ففي رأيي الضعف الأساسي هو انقسامها، والانقسام في القيادة انعكاس للخلافات والتنافس بين السعودية والإمارات"، مؤكدا "إذا لم تُحل مشكلة التنافس بين السعودية والإمارات، فالوضع سيستمر كما هو".

واستطرد: "الحوثي يهرب إلى الحرب من مواجهة التزامات الحكم وبناء الدولة، وتقديم الخدمات، وإقامة العدل، إلى آخره".

واستدرك: "لكن الحرب بالنسبة له عمل تكتيكي"، موضحا "العدوان الخارجي لا يزال عذره الأكبر الآن في عدم تقديم الخدمات، وعدم دفع الرواتب، وعدم الوفاء بالتزاماته".

وختم: "السعوديون -في رأيي- يمسكون أوراقهم قريبًا من صدورهم، ولا يظهرون ما هي نواياهم. وأعتقد أن نواياهم، بعد أن جرّبوا التفاهم مع الحوثي وفشل الاتفاق نتيجة عدم التزام الحوثي، هي أنهم يفكرون بأنه لا بُد من عمل عسكري في وقت ما. وهم يبنون قواتهم".

- اللا حرب واللا سلام

بدوره، يقول الباحث والكاتب نبيل البكيري: "باعتقادي أن مسار اللا حرب واللا سلام في اليمن هو المسار الذي أصبح سائدًا، وربما قد يطول هذا المسار؛ لأننا وصلنا إلى مرحلة توازنات - توازن الضعف وتوازن القوة - وهي كلها مسارات متشابكة ومتداخلة مع بعضها".

وأضاف: "فضلًا عن ذلك، وهذا هو الخطير في الأمر، أن الإقليم ربما وصل إلى قناعة بأن هذا الحال الذي عليه اليمن اليوم هو الحال الأفضل، وهو الحال الذي رمت إليه إستراتيجياتهم، بحيث لا تذهب اليمن إلى سلام ولا إلى حرب".

وأوضح: "يعني بقاء الأمور معلقة - لا سقوط الانقلاب ولا عودة الشرعية - هذا الحال، باعتقادي، ربما سيطول، لأننا أمام عشر سنوات من الزمن، وعشر سنوات ليست قليلة في مفهوم السلام والحرب".

وزاد: "الحروب في تاريخ اليمن حروب خاطفة، لكن حرب تستمر لعشر سنوات دليل على أن هناك إستراتيجيات رسمت هذا المسار، وهي تعمل على إبقاء هذا الحال: ألا تتوحد اليمن وألا تتجزأ، أي حالة الموات بين السلام والحرب، والدولة واللا دولة".

وبيّن: "الحوثي في أضعف حالاته، والشرعية أيضًا ليست في حال أفضل مما سبق، لكنها على المستوى السياسي -مستوى التكتل داخل الشرعية- شرعية مفككة، أي قُسمت من واحد إلى ثمانية أجزاء". 

وأردف: "وبالتالي هذه الأجزاء الثمانية ساعدت على إضعاف ما تبقى من شرعية الدولة ومؤسساتها، مما أضاف زخمًا كبيرًا لاستمرار الحوثي رغم ضعفه، ورغم أيضًا عدم وجود حاضنة اجتماعية له، وعدم موافقة الشعب على شكل الدولة أو السلطة أو الحكم الذي يتبناه، ويعمل على استدامته أو استنباته في الجغرافيا والبيئة اليمنية".

ويرى: "ظرفية وطبيعة الصراع القائم في اليمن والحاصل هو صراع متداخل؛ لم يعد صراعًا محليًّا بحتًا، ولم يعد صراعًا إقليميًّا بحتًا أيضًا".

وأكد: "هناك تداخلات وتعقيد مكثف في الملف اليمني؛ فأصبح ما هو محلي بالضرورة له بُعد إقليمي، وما هو إقليمي بالضرورة له بُعد محلي".

وقال: "صحيح لدينا تجارب لحروب اليمنيين السريعة والخاطفة، هذه الحروب، متى ما وجد اليمنيون أنفسهم وجهًا لوجه في المعركة الداخلية، كانوا أقرب إلى مسألة التوافقات أو البحث عن حلول ومخارج في إطار الأزمة اليمنية نفسها".

واستدرك: "لكن البُعد الإقليمي اليوم يلعب دورًا كبيرًا، ونحن - اليمنيين، أو النخبة السياسية- للأسف سلمنا كل ما لدينا من أوراق، ولم يبق في أيدينا شيء، سواء للانقلابيين أو للشرعية، الجميع لم يعد في يده شيء".

وأوضح: "الحوثي عبارة عن ورقة في يد الإيرانيين، والشرعية أيضًا ورقة في يد الأشقاء في التحالف، في المملكة وفي الخليج".

واستطرد: "وبالتالي اليوم -في اعتقادي- النخبتان الحاكمتان، أو شبه الحاكمتين في الانقلاب وفي الشرعية، لا تمتلكان قرارًا وطنيًّا، ولا رغبة في امتلاك هذا القرار، بل ألقت بكل ثقلها في الخارج، وتنتظر من الخارج أن يصنع لها ما تريد"، مؤكدا "وبالتالي نحن في مأزق حقيقي".

ولفت: "هذه النخبة السياسية اليوم باعت كل شيء، وقايضت كل شيء، واليوم لم يعد لدى هذه الأطراف شيء، وبالتالي نحن بانتظار المجهول".

وزاد: "باعتقادي، الحوثي جماعة نبتت من بين دخان الحرب، ويستحيل أن تظل هذه الجماعة بدون حرب. حتى في فترة السنتين الماضيتين من ما يسمى الهدنة، إذا صح التعبير، كانت هناك معارك تتم، سواء على الحدود، أو في مأرب، أو في تعز". 

وأشار إلى أن "جماعة الحوثي لا تستطيع أن تظل بدون حرب".

وأردف: "إحدى الإستراتيجيات الكبيرة لهذه الجماعة هي الانخراط في البحر الأحمر، ليس حبًّا في غزة أو دفاعًا عن الفلسطينيين، بل لأنه جزء من إستراتيجية أن هذه الجماعة لا يجب أن تبقى خارج إطار مسمى الحرب". 

وتابع: "المهم أن يظل هناك هامش لبقاء هذه الجماعة في الإعلام، وفي المساجد، وفي خطابها، وفي طرح زعيمها المختبئ في السرداب، ليظل يلوك مفردات الحرب، والتحشيد، والتهييج الطائفي، وما إلى ذلك من هذه الأغاليط والمسميات".

يعتقد البكيري أن "ليس هناك في قاموس هذه الجماعة مسمى سلام، ومن يعتقد أنها ستخضع يومًا للسلام فهو واهم؛ لأنها تقوم على أيديولوجيا دينية كهنوتية طائفية، ترى أن ما تقوم به هو الحق المحض، وأن غير ذلك هو الكفر". 

وختم: "باعتقادي، الواهمون في البحث عن السلام مع هذه الجماعة يكذبون على أنفسهم، ويكذبون على الناس، وبالأساس يكذبون على أنفسهم، لأن الناس لا يمكن أن تصدّق".

تقارير

هل ينجح ترامب في وقف النفط الروسي والإيراني عن الصين والهند؟

تشهد الساحة الدولية منذ عودة دونالد ترامب تصعيدًا في سياسات الضغط الاقتصادي ضد روسيا وإيران، والهدف الأساسي هو النفط الذي يشكل نحو 30% من عائدات روسيا ويغذي حربها ضد أوكرانيا، رغم العقوبات الغربية (Wall Street Journal، Politico).

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.