تقارير
معرض يمني في قلب مدينة إسطنبول
فتاة تحمل كتبها وتسير برفقة صديقاتها، مصحوبة بالكلمات والضحك، فتى يحمل أسطوانة غاز ويبدو كما لو أنه يريد أن يقفز.
بين الاثنين جدار واحد فقط،
الفتاة تمضي لإكمال وقتها بعد يوم جامعي في وسط آمن، أما الفتى فهو يحمل أسطوانة الغاز منذ رآه محمد العسلي، ووضعه داخل إطار قبل أن يصبح لوحة تُعرض لثلاثة أيام في مدينة إسطنبول التركية حيث توجد الفتاة، وجوار لوحة الطفل يقف العسلي يشرح للضيوف ولسفير بلاده معنى كل لون.
يقام المعرض في قاعة وسط المدينة، وقد سافر عشرات اليمنيين لرؤية ما رسمه والتقطه العسلي، وأراد له أن يعلق في المهجر.
يمضي الناس في الخارج لإكمال ساعات النهار، بينما نتنقل برفقة السفير ونواب ووكلاء يبصرون بلادهم وقد تحوّلت ألواناً.
يقول محمد لطف -صحفي جاء لتغطية الحدث- إنها ستون نافذة إلى اليمن، ويمضي محمد الأحمدي في جمع ضيوف المعرض ملوحا بيديه أو عبر إرسال خارطة المكان عبر جواله الذي لا يتوقف عن تكرار الإضاءة، يترأس الأحمدي نادي الإعلاميين اليمنيين، وهو الجهة المنظّمة للمعرض، وذلك يتيح للقادمين عتابه إن ضلوا الطريق أو تأخروا.
أقيم المعرض وسط قاعة قرب ميدان تقسيم، المكان الأشد ازدحاما، ووسط المعرض التقى الذين خرجوا من ديارهم قبل ثمانية أعوام -تزيد وتنقص- وهم الآن يتبادلون الأحاديث، وينظرون إلى صور الجمال والدمار، وهو تناقض يبعث الأسئلة، ويحيِّر المشاعر.
يمينا، تبدأ صورة صادمة لطفل يحمل نفسه، ثم تتوالى لوحات الخراب، الفتى الذي يحمل أسطوانة الغاز، قبل أن يعتدل الطريق فتجد لوحات تظهر جمال صنعاء ودوعن وقصر الحجَر، ومنذ تلك اللحظة يبدأ الرسام بإظهار ما تعلّمه عن الألوان في فنون إب عام 2008، وفنون إسطنبول عام 2017، ويتيح للقادمين تفسير ما يرونه.
سيخبر سالم باحمران أحد مواطنيه عن لوحة حضرموت: "هل رأيت وادي دوعن؟.. هناك لوحة عن قصة الوحدة"، يقول سالم قبل أن يسحب عبدالرحمن باتيس الحديث من المذيع المتآلف مع المكان والوقت، يقول باتيس: "على الفروع أن تحدد لنفسها مصيراً"، ثم بسرعة الجياد يجري حديث عن حضرموت وما يدور فيها وحولها.
لا يزال السفير محمد طريق يجوب القاعة بحثا عن تفاسير لما يراه، وقريبا منه يسير سمير خيري -عضو البرلمان- الذي نزح إلى الصمت قبل سنوات الحرب، وكان يعرف ما قيمة الكلام، كما أفاد المحرر ردا على ما يشبه الاستفسار.
وبعد القاعة، ضم اجتماع الإعلاميين بالسفير طريق الذي أراد تكريس ما قال إنه "وحدة الموقف والصف وتحديد الخصم الذي يجب على الجميع نسيان خلافاتهم لمواجهته".
يعود زوّار اليوم إلى مناطق تواجدهم في المدينة الكبيرة، وبينما يركض الناس خارج مبنى المعرض، تعيش اليمن بجمالها ودمارها داخل 60 صورة، وتلك رسالة إلى اليمنيين أنفسهم: "أزمتكم يمكن أن يراها العالم، لكنها محكومة داخل مساحة وإطار لا تخرج عنه، لا أحد من بين الضحايا الموجودين في الصور يحمل جنسية مخالفة لما تحملون".