تقارير
موقع "بلقيس" يتتبّع عملية اجتياح الأدوية المهرّبة والمنتهية مخيمات النازحين في مأرب
يصرخ حفظ الله سلطان (40 عاما) بصوت عالٍ في وجه الطبيبة المناوبة في المركز الصحي المخصص للنازحين المرضى في مخيم النقيعاء -شرق محافظة مأرب، حاملا طفله بين يديه يُنازع الموت، قائلا إن طفله تناول دواء منتهيا؛ أخذه من خلف عيادة المركز الصحي.
ذهب سلطان وجلب كمية من أشرطة الأدوية من خلف عيادة المركز؛ ليُثبت أن الأدوية المنتهية مكدّسة خلف هنجر المركز الصحي، داعيا إلى جمع الأدوية وإتلافها في أماكن بعيدة عن المناطق التي تتجمّع فيها خيام النازحين.
وأشار سلطان إلى أن الأطفال يتناولون الأدوية المنتشرة داخل "كراتين" حول المركز الصحي في المخيم، بشكل مخيف.
تقول الطبيبة المناوبة، رملة جحيزة، إن الطفل الذي تناول أدوية منتهية قد يُصاب بالتسمم، وأنها تعمل على تحويله إلى مستشفى حكومي يبعد عن المخيم نحو عشرة كيلو مترات.
وأشارت إلى أن المركز لا يملك أي قدرات للتعامل مع الطوارئ والأمراض المشابهة.
وأضافت أن الأدوية المنتهية الصلاحية كثيرة في المركز الصحي.
وأوضحت أن "الأطفال يتسللون بعد إغلاق المركز، من خلال فجوات أسفل الحواجز الشبكية، ويقومون بنثر كراتين الأدوية المنتهية المجهّزة للإتلاف، وتشتيتها في المكان، في ظل عدم وجود مركبة لنقلها وإتلافها في أماكن مخصصة".
وقالت إن "ذلك أدى إلى تجمّع الكثير من الأدوية خلف المركز".
في كل يوم، تُخرج الطبيبة رملة جحيزة من بين أدراج الأدوية في المركز الصحي الوحيد في مخيم النقيعاء للنازحين أدوية منتهية الصلاحية بكميات مختلفة؛ لتضعها في سلة خُصصت للأدوية المنتهية، حيث اعتادت على تجميعها بشكل دائم، ثم نقلها إلى زاوية خلف عيادة المركز.
وأكدت أن "مكتب الصحة في المحافظة يسلّم المركز أدوية جميعها قريبة الانتهاء، ويوجّه بصرفها على المرضى قبل انتهائها".
وقالت إنها ترفع تقاريرها اليومية إلى مكتب الصحة، موضحة أن الأدوية التي تتسلمها في كل دُفعة قريبة الانتهاء.
- مصدر الأدوية
وفي ما يخص الأدوية المنتهية والفاسدة في المراكز الطبية الحكومية، قال محمد منيف -مدير مكتب الصحة في مدينة مأرب- إن الشركات الدوائية والتجار ووكلاء الشركات الدوائية يعملون على جمع ما لديهم من أدوية قريبة الانتهاء، ويقومون بالتبرّع بها لمكاتب وزارة الصحة في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، بما فيها محافظة مأرب؛ للهروب من تكاليف ورسوم الإتلاف.
وأوضح أن "في مأرب، التي تعيش وضعا استثنائيا، يكون مكتب الصحة مضطر إلى قبول تلك الأدوية؛ كونه بحاجة ماسة إلى أدوية مختلفة؛ لما تشهده مأرب من كثافة سكانية كبيرة، وشح في الدعم المقدم من قِبل المنظمات الإغاثية الدولية والإقليمية، في وقت هناك حاجة ماسة للأدوية في المراكز الطبية بمخيمات النازحين، ومختلف مناطق المحافظة".
- طنان خلال شهر
يقول منيف إن مكتب الصحة، الذي يديره، نفَّذ حملة تفتيش استمرت شهرا ونصف الشهر بهدف تصحيح الوضع الصحي في القطاع الخاص، وأنه تم خلالها ضبط كمية تقدّر بطنَين اثنين من الأدوية المنتهية والفاسدة والمهرّبة -في رفوف صيدليات ومخازن أدوية تجارية- دون معرفة الكمية التي تم بيعها مسبقا للمرضى وسكان المحافظة المزدحمة بالنازحين.
وكشفت تلك الحملة القصيرة والطارئة حجم المشكلة القاتلة التي تتربص بالمرضى والنازحين في مكان يُفترض أنه ملجأ أخير لإنقاذ حياة النازحين من أطفال ونساء وكبار السن وذوي الأمراض المُزمنة.
وأوضح منيف أنه "تم إغلاق 20 صيدلية ومخزن دواء؛ على خلفية ما تم ضبطه من أدوية منتهية وفاسدة ومهربة"، مشير إلى أن الأدوية تم إخراجها من 186 صيدلية من أصل 350 صيدلية ومخزن أدوية تعمل في مدينة مأرب.
وأضاف: "حوالي 170 صيدلية لم يتم تفتيشها حتى الآن، وهذا العدد يقارب نصف صيدليات الأدوية التي لم تصل لها فِرق التفتيش بعد".
- طرق التهريب
من جهته، يقول نائب مدير الهيئة العليا للأدوية في الحكومة المعترف بها دوليا، محمد الحماطي، إن ظاهرة تهريب الأدوية وتقليدها في اليمن اتسعت رقعتها، وانتشرت في البلاد خلال سنوات الحرب، من قِبل مهربين وتُجار.
وأضاف: "ما شجّع زيادة الأدوية المهرّبة وانتشارها هو احتياج الناس لتلك الأدوية".
وعدَّد الحماطي أسباب تهريب الأدوية وانتشارها، خلال سنوات الحرب في اليمن، منها أن بعض الشركات ترفض تصدير أدويتها إلى مناطق الحروب والصراعات، فيضطر الوكلاء والتجار والمورِّدون إلى شرائها من الأسواق الخارجية، وتهريبها إلى اليمن، بما فيها شركات أدوية الأمراض المزمنة، مثل "السكر، والصرع، والضغط"، التي اعتاد المرضى في اليمن على استخدامها.
وأوضح أن "تلك الأدوية تأتي عبر تجار محليين؛ يتم شراؤها من الأسواق المصرية، والأسواق التركية".
- بسبب الحرب
يقول المسؤول الحكومي: "حوالي 80% من شركات الأدوية لا تدخل اليمن رسميا حاليا بسبب الحرب، فيما تدخل أدويتها إلى البلاد، وتتوفر في السوق عن طريق التهريب، وبذلك نؤكد أن حوالي 85% من الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والصَّرع الموجودة في الأسواق المحلية حاليا هي أدوية مهرّبة".
وقال الحماطي إن "تلك الأدوية تدخل الأسواق المحلية عن طرق التهريب، وتتعرّض لسوء تخزين، وتنقل عبر البحر، ثم عبر الصحراء، وتبقى لأيام في أماكن نقل غير نافعة، مما يعرّضها للتلف كليا أو جزئيا، فيما يتعامل معها التاجر كسلعة لا بُد أن تُباع بأي طريقة".
وهناك نوع آخر من الأدوية، التي انتشرت في الأسواق المحلية، وهو الصنف المزوّر، حيث يتم تقليد أدوية شركات معروفة، لكن -بحسب الحماطي- يتم تقليد الشكل لكن المادة المكونة للدواء تختلف.
وأوضح أن "الأدوية التابعة لبعض الشركات الدوائية الخارجية عند دخولها إلى اليمن حاليا سيكون أسعارها مرتفعة جدا، فيما يوجد الصنف ذاته للشركة ذاتها (دخل عن طريق التهريب) بأقل من نصف القيمة الرسمية، وهذا بعض مما يشجّع تجار الأدوية المهرّبة، ويشجع انتشار واتساع سوقهم في البلاد".
وأكد أن "المواطن اليمني -بسبب الظروف المعيشية- يلجأ إلى المهرّب؛ نتيجة لسعره المنخفض".
وأشار الحماطي إلى أن "الحل المناسب لإيقاف عمليات تهريب الأدوية وتزييفها هو التصنيع الدوائي المحلي، بحيث يوفّر الاحتياج الدوائي للسوق المحلية".
وبيّن أن "عدد المصانع الدوائية الموجودة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، حتى اليوم، ستة مصانع، وحوالي عشرة مصانع في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، بالإضافة إلى 350 شركة ووكيلا دوائيا تقريبا في البلاد بشكل عام".