تقارير
هكذا تستغل مليشيا الحوثي حاجة الفقراء لأجل إرسالهم للقتال في صفوفها
لم تقتصر تأثيرات الحرب على تدمير كافة القطاعات الحيوية الرسمية فحسب، بل تسببت بإفقار أكبر عدد من الأسر اليمنية، ودفعت أطراف الصراع إلى استغلال حالتها البائسة، والقتال معها في مختلف مناطق البلاد.
فرضت معاناة الناس واقعاً من الحرمان على فقراء البلد، الذي يشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، وتحوّل اشتراك البعض في معترك النزاع المسلح إلى وسيلة للعيش، والبقاء على قيد الحياة لبعض الوقت كمقاتلين مأجورين، فيما البعض كان النزوح والتشرّد والجوع والتسوّل من نصيبهم.
الموظف الأربعيني خالد البعداني -أحد الذين استغلت مليشيا الحوثي حاجتهم للقتال معها- يقول لموقع "بلقيس": "بعد ما توقف صرف الراتب، ما معي أي مصدر دخل ثاني، سرت أقاتل في الجبهة مع الحوثة، من شأن أعيش أنا وأسرتي، أُصبت والآن أتعالج".
منذ تصاعد أعمال الصراع في اليمن، أواخر آذار/ مارس 2015م، تحوّلت حياة السكان إلى جحيم لا يطاق، وتوسّعت رقعة الفقر بشكلٍ مهول.
وبحسب بيان منظمة اليونيسيف، الذي أطلقته مطلع العام الجاري، فإن "حوالي 23,7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بمن فيهم 13 مليون طفل".
- لا مكاسب
لم يحصد فقراء اليمن سوى الشتات والموت طيلة سنوات الحرب، برغم استمرار ارتفاع تعدادهم، حيث تتأرجح حياتهم سوءا داخل محيط من الأزمات الشديدة، وتبقى عوامل الخطر وسيلة تهديد عند حافة السقوط في وحل الكوارث الحقيقية.
يقول الناشط في المجال الإنسانيبدر مُغلس (39 عاماً) لموقع "بلقيس": "هناك مؤشرات خطيرة لحدوث كارثة إنسانية وشيكة في اليمن، حالة الفقر اتسعت في أوساط المواطنين بشكل غير مسبوق، النازحون والمشردون يعانون من سوء الأوضاع وانعدام الخدمات، بعض الفقراء وأطفالهم تحوَّلوا إلى مقاتلين، بسبب ظروف الحرب".
تنعدم فرص الدخل، وتزداد معدلات البطالة في كافة المدن الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، خصوصاً مع استمرار انقطاع صرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية، ويصبح الفقر سائداً في حياة المواطنين.
يقول عدد من أفراد الأسر الفقيرة في صنعاء -استقطبوا للقتال تحت ضغط الحاجة- في حديثٍ لموقع "بلقيس": "توقفت حياتنا، لا وظائف، ولا مرتبات، ولا فرص عمل بديلة، سرنا الجبهة لأنهم وعدوا يعطونا سلات غذائية ومصاريف، لكن ما منها فائدة".
- ضحايا المرحلة
قبل اندلاع الصراع، لم يحبِّذ غالبية اليمنيين فكرة التجنيد، رغم انتشار مظاهر الفقر، على عكس مرحلة الجماعة المسلحة التي تضغط لانضمامهم في عملية القتال، ما سبب لهم مشكلات نفسية وصدمات مختلفة، خصوصاً المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي.
يقول الخمسيني محمد مسعود لموقع "بلقيس": "جماعة الحوثي تضغط على الناس بكل الوسائل، لتجنيدهم في القتال معها، يضايقوا أصحاب الأعمال وينشروا الفقر، حتى يسهل لهم الحصول على مقاتلين جدد".
يعتبر الفقر هو الطارئ الوحيد على أرض الواقع، بسبب نهب الحوثي الأموال ومصادرة موارد الدولة، ويشكل الانهيار الاقتصادي، وانعدام الخدمات الأساسية، وغياب المعالجات، حالة قلق متزايدة من مخاطر الأوضاع الراهنة.
يشير النداء الخاص باليمن، الذي أطلقته منظمة اليونيسيف لعام 2022، إلى أن "الجوع الحاد يصل إلى مستويات غير مسبوقة في اليمن مع نضوب التمويل"، مضيفاً أن "حوالي 64% من الأسر النازحة لا تمتلك مصادر دخل، وكذلك سوء التغذية الحاد بين الأطفال في اليمن".
وخلال فترة النزاع، تعرّض فقراء اليمن إلى مشاكل كثير وأزمات مختلفة، إضافةً إلى حرمان أطفالهم من حقوق أساسية كثيرة، مثل: التعليم، والرعاية الصحية اللازمة، كما ارتفعت مؤشرات سوء التغذية بشكلٍ مفزع.
- استغلال حاجاتهم
بات ملايين اليمنيين، خلال السنوات الأخيرة، أكثر ضعفاً من أي وقت مضى، بسبب استمرار الصراع، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي دفعت بهم نحو الفقر، في ظل حالة التشظّي ومشروع اللادولة، التي لم تعد توفّر لهم أبسط وسائل الحماية من التهديدات الحياتية، مما عرّضهم لأسوأ وسائل الاستغلال، تحت ضغط الحاجة.
يقول الخبير الاقتصادي محمد راجح لموقع "بلقيس": "يعيش الفقراء في اليمن حياة قاسية، بعضهم تم استغلالهم في القتال بسبب الحاجة، وسقطوا ضحايا مجهولين، أسرهم تشرّدت، وأطفالهم محرومون من أقل الحقوق في الحياة".
يطمر غبار المعارك أمنيات سكان البلد الفقير، واستمرارها يحجب عنهم رؤية أولويات الحياة البسيطة، فيما أيامهم تتسرّب بمرارة الحرمان، وعذابات الفُقد، وقسوة الزمن.