تقارير

11 فبراير.. ثورة جمهورية ديمقراطية وحدوية

11/02/2024, 08:39:26
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد
مع حلول ذكرى اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 في كل عام، تبرز أصوات منددة بالثورة أو تقلل من أهميتها أو من جدوى الاحتفال بها أو تحميلها مسؤولية وضع البلاد حاليا، وهذا طبيعي باعتبار أن جميع الثورات عبر التاريخ لها مناصرون وأعداء، فالثورات يترتب عليها سقوط أنظمة حكم فاسدة ومستبدة كان لها علاقات زبائنية وشبكات مصالح وفساد ومستفيدون كثر، فضلا عن نفوذها المتراكم تحت سطوة المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية والعصبيات المرتبطة بالحاكم.
 
وبالتالي فإن منظومة الفساد متماسكة وتحمي بعضها سواء عندما تجد أنها مهددة بالخطر (الثورة الشعبية) أو أنها ستخسر مغانم السلطة، وإذا خسرتها بالفعل أمام الثوار فإنها تشعل الثورات المضادة، وتظل تعمل ليل نهار على شيطنة الثورة والثوار بمختلف الوسائل، وهنا تكون المعركة مصيرية بين أنصار الثورة وأعدائها، بصرف النظر عن مدة المعركة وما يتخللها من تعثر مرحلي أو تدخل أجنبي معادي للثورة ويخشى من وصول "عدواها" إليه.
 
وإذا كان الدافع الرئيسي لثورة 11 فبراير هو الحفاظ على الجمهورية والديمقراطية بعد أن شوه النظام الحاكم الديمقراطية وجعلها مجرد ديكور لتجميل وجهه القبيح، وكاد يقضي على روح النظام الجمهوري من خلال التمهيد لمشروعي التوريث والتأبيد في السلطة، فإن جميع أعداء الثورة، أو خصومها، في نفوسهم شيء من الديمقراطية الحقيقية أو النظام الجمهوري التعددي والوحدة الوطنية، فهم إما من أنصار مشروع التوريث العائلي نقيض الجمهورية والديمقراطية، أو من أنصار الحكم السلالي الطائفي الكهنوتي، أو من أنصار مشاريع تفتيت البلاد الذين يرون في ثورة 11 فبراير خطرا على مشاريعهم.
 
- ثورة تصحيحية وتكميلية
 
كانت ثورة 11 فبراير 2011 بمنزلة صحوة شعبية تهدف إلى الحفاظ على المكتسبات الوطنية العظيمة كالجمهورية والديمقراطية والوحدة، وهي مكتسبات تمثل خلاصة النضال الوطني الممتد عبر مسار تاريخي طويل ضد الاحتلال الأجنبي والاستبداد الإمامي الطائفي العنصري الوافد إلى اليمن أيضا، كما أن الثورة تهدف لنقل اليمن إلى صيغة جديدة وهي الدولة المدنية الحديثة، كمرحلة تصحيحية وتكميلية لأهداف ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، بعد سنوات من الصراع على السلطة والانقلابات وصولا إلى العبث بالهامش الديمقراطي وغفلة مختلف المكونات والأحزاب عن الأخطار التي تهدد النظام الجمهوري الديمقراطي والوحدة الوطنية وعدم التصدي لها مبكرا.
 
لقد كانت مختلف الأوضاع في البلاد مهيأة لاندلاع ثورة شعبية، فالنظام الجمهوري الديمقراطي في خطر، والاقتصاد منهار، والوحدة الوطنية تتصدع، والوضع المعيشي يزداد سوءا، والخدمات العامة في تدهور، والبطالة تزداد ومعها تزداد معدلات الفقر والجوع، وتحولت مؤسستا الجيش والأمن إلى ملكية عائلية وأصبحت شبه حصرية بعصبية الحاكم وروافدها القبلية والمناطقية والطائفية، وهي عصبية متجانسة مع السلالة الهاشمية التي استغلتها ومن خلالها تمكنت من ترسيخ نفوذها داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
 
وعلى إثر التجانس الاجتماعي والمناطقي والطائفي للقوات العسكرية والأمنية الموالية لعلي صالح مع المليشيا الحوثية، فقد اندمجت تلك القوات سريعا في المليشيا، بل وحولت ولاءها سريعا لزعيم المليشيا، عبد الملك الحوثي، وتخلت عن علي صالح بعد فض تحالفه مع الحوثيين واندلاع اشتباكات بين الطرفين انتهت سريعا بقتل الحوثيين لعلي صالح في بيته، وبأسلحة سلمها علي صالح للحوثيين، وربما شارك في قتله جنود من منتسبي قوات الحرس الجمهوري التي شكلها لحماية سلطته.
 
وبقراءة متأنية لتطورات الأوضاع قبيل اندلاع ثورة 11 فبراير، واستشراف مستقبل البلاد في حال لم تندلع الثورة، نجد أن نظام الحكم حينها كان مترهلا وعاجزا، في حين كان التنظيم السري للهاشمية السياسية يعد العدة استعدادا للانقلاب على الجمهورية، وكان ضعف شخصية نجل علي صالح، أحمد، الذي سيرث السلطة بعد والده، يغري الهاشمية السياسية بتعزيز نفوذها في مؤسستي الجيش والأمن، حتى تحين لحظة الانقلاب تحت شعارات مضللة.
 
وحينها ستكون مهمة استعادة الجمهورية شاقة وعسيرة، لكن ثورة 11فبراير عجلت بسقوط النظام الذي كان يقود البلاد نحو الكارثة، وعجلت أيضا بانكشاف المشروع الإمامي الكهنوتي، وأوجدت أرضية صلبة للدفاع عن الجمهورية والديمقراطية والوحدة، حيث كان شباب الثورة وأنصارها أول من شكلوا المقاومة الشعبية ضد الانقلاب الحوثي، وانخرطوا في الجيش الوطني دفاعا عن الجمهورية والديمقراطية، ولولا المؤامرات المحلية والأجنبية على الثورة لكانت اليمن اليوم شيئا آخر.
 
- عن عظمة ثورة فبراير
 
لو لم تكن ثورة 11 فبراير عظيمة في أهدافها ومبادئها، لما تكتل ضدها الإماميون السلاليون والانفصاليون والمستفيدون من نظام الحكم الفاسد الذي اندلعت الثورة ضده، وأيضا لما تكتلت ضدها بعض دول الجوار، فالتحول الكبير في تاريخ أي شعب تكون العقبات أمامه أكبر، ولذلك فقد تفجرت أزمات البلاد دفعة واحدة، وحضر الفاعلون الأجانب بكل مساوئهم، وبرزت الانقسامات الداخلية بمختلف هياكلها وخطوطها، ويعني ذلك أن الميراث الذي اندلعت ضده ثورة 11 فبراير عبر عن نفسه بمستويات مختلفة من الانقسامات والعنف والتدخل الخارجي.
 
ويعني ذلك أيضا أن الثورة لم تندلع ضد نظام حكم فاسد وفاشل وعاجز، وإنما اندلعت ضد منظومة كاملة، محلية وأجنبية، ظلت جاثمة على اليمن لعقود كثيرة مضت، فهبت تلك المنظومة للتآمر على الثورة، وشيطنتها، وإشعال الحرب ضدها، وعسكرتها، وتغييبها في متاهات كبيرة من الأزمات والمؤامرات، وإطالة الأزمة الفاصلة بين لحظة اندلاع الثورة ولحظة استعادة الدولة، بهدف طمس الصورة الذهنية للثورة في الذاكرة الشعبية، وتشويه الثورة من خلال تحميلها أوزار علي عبد الله صالح والحوثيين والانفصاليين وأوزار التدخل الأجنبي، وجر البلاد نحو الخراب الشامل، والزعم أن الثورة هي من صنعت ذلك الخراب مع أنه من صنع أعدائها.
 
- الحاجة لعقيدة ثورية
 
صحيح أن الثورة تمر بمراحل من التعثر ثم النهوض مجددا حتى تحقق أهدافها كاملة، لكن مرور تسع سنوات من الحرب دون أي مراجعات لإنعاش العمل الثوري يعد خطأ جسيما يمنح أعداء الثورة الفرصة الكاملة للتمادي في استمرار حربهم على الثورة وتهديد مصير اليمن بشكل عام وليس القضاء على الثورة فقط، ولا يمكن مواجهة ذلك إلا بعقيدة ثورية.
 
تعد العقيدة الثورية القوة المحركة للثورة والدافعة لها والحارسة للدولة من عوائق تطورها سواء كانت عوائق محلية أو أجنبية، ومع توحش مشاريع تفتيت اليمن وإضعافها وتهديد كيانها ومصيرها، فإن الحاجة اليوم ماسة أكثر من أي وقت مضى لتطوير عقيدة ثورية تنعش ثورة 11 فبراير 2011، وتكون الإطار التنظيمي لأحرار الشعب واللسان المعبر عن المطالب الشعبية.
 
وهذا يتطلب توسيع قيادة الثورة وتطعيمها بقادة مفكرين أو ممن تلقوا تعليما جيدا ويتسمون بمواصفات قيادية يكرسون جهودهم لتطوير عقيدة ثورية نضالية تخاطب الشعب بكل فئاته ومكوناته، وخلق القوة المحركة للثورة، وتوعية الشعب بالمخاطر التي تهدده، وكشف ما يحاك من مؤامرات داخلية وخارجية ضد اليمن، وإرشاد الشعب إلى الطريق الصحيح لاستعادة دولته وإنهاء كل ما يهدده، وتشكيل لجان ثورية من جميع المحافظات اليمنية، والتنسيق مع جميع أنصار الثورة من مختلف الأحزاب والتيارات ومن قادة الدولة والجيش الغاضبين على الطريقة التي يدير بها التحالف السعودي الإماراتي البلاد والرافضين للانقلاب على الدولة.
 
وفي ظل غياب كيان وطني منظم لمجابهة مشاريع تفتيت البلاد وإضعافها، فإن ثورة 11 فبراير هي البديل الذي يمكن البناء عليه بدءا بتطوير عقيدة ثورية تجعل من الثورة المظلة الكبرى لمختلف أحرار الوطن، والكيان المنظم لقيادة معركة الخلاص ضد المليشيات الانقلابية وضد مشاريع التفتيت والتفكيك التي يرعاها التحالف السعودي الإماراتي، والانطلاق نحو تحقيق أهداف الثورة كاملة، وفي مقدمتها بناء دولة مدنية حديثة، فالانطلاق نحو المستقبل لا يأتي من التدخل الخارجي ولا تصنعه مليشيات العنف والقتل، وإنما تصنعه الثورات الشعبية كونها السبيل الوحيد لصناعة التحولات الكبرى في حياة الأمم والشعوب.
تقارير

عائلات عاملي الإغاثة اليمنيين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تشعر باليأس بشأن مصيرهم

تحوّل فرح عائلة أحمد اليمني باحتفالهم بزفاف ابنته إلى رعب في اليوم التالي، عندما داهمت قوات مقنّعة منزلهم في صنعاء، العاصمة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، واعتقلته.

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.