تقارير
"اختزال اليمن بيد اللجنة الخاصة السعودية".. وثائق سرية تكشف لأول مرة؟
"اليمن" ذلك الخزان الهائل من البشر، ماذا إذا ثار وقيّضت له مصادر القوّة، إذنً لحَكم "المملكة والإقليم" برمّته، هكذا تعلو هواجس السعوديين، وعلى ضوء هذه الهواجس تتحدد علاقتهم بالبلد الجار.
لطالما رددت المرويّات عبارة منسوبة لمؤسس المملكة "عزّ السعودية في ذلّ اليمن"، وهي عبارة تؤكّد ربط مصير حكم الأسرة السعودية بما يحدث على الخارطة اليمنية، وهو ما وفّر مبررا دائما للنظام السعودي للعمل في الساحة اليمنية، لاستباق أي تطوّر من شأنه التأثير على الداخل السعودي.
برزت تدخلات المملكة في الشأن اليمني عقب ثورة ال26 من سبتمبر، إذ استمر الصراع لأكثر من خمس سنوات بعد الثورة، بين الجمهوريين والملكيين.
استثمار مبكّر
اختارت الرياض دعم الملكيين، لتصبح لاحقا اللاعب الرئيسي في المصالحة اليمنية، وهو ما وفّر لها قاعدة بيانات مهمّة استثمرتها في إنشاء ما يُعرف ب"اللجنة الخاصة" في اليمن، كإحدى دوائر مجلس الوزراء السعودي، والتي عملت، طوال عقود، لجعل اليمن شأنا سعوديا.
وفي السياق، يفيد مدير عام قناة "بلقيس"، أحمد الزرقة، أنه تم إنشاء "اللجنة الخاصة" السعودية عقب ثورة 26 سبتمبر في عام 62، وكان الغرض منها دعم الملكيين الذين لجأوا إلى السعودية حينها، كما أنها استمرت بدعم وتخصيص مبالغ مالية لأسرة حميد الدّين، وكذلك تمويل الحرب ضد الجمهورية اليمنية.
وأضاف الزرقة، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة "بلقيس"، مساء أمس، أنه "بعد انتهاء حصار السبعين ودخول اليمنيين في مصالحة، تحوّل دور اللجنة إلى شراء الذّمم للأطراف السياسية الفاعلة، كما أنها كانت تقوم بدعم النّخب القبلية ومشايخ القبائل".
ويوضّح الزُّرقة تطور الوضع الذي حصل بعد ذلك، وكيف باتت السعودية تتحكم بالنّخب السياسية والعسكرية اليمنية عبر الملحق العسكري (الهديان) في صنعاء.
وتطرّق الزرقة إلى شرح طبيعة هذه السيطرة والتحكّم، والذي وصل بها إلى مستوى التحكّم بتقرير الرئيس الذي يصعد للرئاسة أو يرحل منها، وذلك عبر أذرعها القبلية التابعة لها.
ويشير الزرقة إلى أن ذروة نشاط السيطرة والتحكّم للسعودية كانت بإزاحتها للرئيس السلال، وكذلك إزاحتها للرئيس الإرياني.
واستطرد: "بعد ذلك قامت السعودية بدعم الرئيس الحمدي، وبعد ذلك تم اغتياله والتخلص منه؛ كون الرئيس الحمدي بعد تسلمه الرئاسة حاول استعادة القرار اليمني وكذلك السيادة اليمنية، كما أنه عمل على إزاحة أدوات السعودية، وتحديدا المشايخ القبليين".
مسخ الشخصية اليمنية
ويرى الزّرقة أن الهدف الرئيسي لإنشاء هذه اللجنة هو مسخ الشخصية اليمنية، وكذلك تحويل اليمنيين إلى مجرد مُخبرين لها، بعد أن نجحت في استقطاب الشخصيات السياسية والعسكرية الكبيرة في اليمن بشكل كبير جدا.
ويلفت إلى أنه خلال السنوات الماضية، نشرت وثائق عن شخصيات كبيرة كانت تستلم مخصصات مالية من السعودية، بلغت 2800 اسم، كان من أبرز هذه الأسماء: الرئيس السابق "صالح"، وأمناء ورؤساء الأحزاب، وأعضاء مجلس النواب، وكذلك قيادات عسكرية، ووزراء في الحكومة، وغيرهم.
ويعتقد الزرقة أن المبالغ، التي دفعتها "اللجنة السعودية الخاصة" لشراء الولاءات في اليمن، ربما تعادل خمسة عشر مليار دولار، وهو مبلغ -بنظر الزرقة- لو خصص لمشاريع تنموية في البلد لما وصل إلى الوضع الذي وصل إليه الآن.
وبشأن ما إذا كانت اللجنة تعمل على جمع المعلومات والتحرّي حول بعض الشخصيات، يقول الزرقة: "إن السفارة السعودية في صنعاء كانت تعمل كخلية تجسس، وذلك من خلال جمع بيانات الشخصيات اليمنية، التي يريدون استقطابها وضمها في الكشوفات، وكذلك التي يُراد تصفيتها أو تشويه صورتها أيضا".
ويتابع: "كان هناك عشرات الآلاف من الوثائق كتبت بأيادٍ يمنية، رفعها أشخاص يمنيون إلى السفارة السعودية، لتستقر بعدها في الأجهزة الاستخباراتية السعودية".
وفيما يتعلق بطلب الرئيس "هادي" من السعودية ثلاثين مليونا، دعما شخصيا، حسب الوثيقة المنشورة، وما الذي يعنيه ذلك، يقول المحامي والناشط الحقوقي، توفيق الحميدي: "إن هذه الوثيقة من شأنها أن تشكل زلزالا سياسيا لو أنها وجدت في دولة ديمقراطية تحترم نفسها".
ويضيف الحميدي أن "أقل آثارها هو أن يقدم الرئيس استقالته من الحياة السياسية، وكذلك ترك القضاء والنيابة العامة للتحقيق فيها، كونها جريمة كبيرة تتعلق بالمساس بالأمن القومي للبلد".
ويرى الحميدي أن هذه الوثيقة تعد "فضيحة سياسية"، كان من المفترض فيها تطبيق المادة 160 من الدستور اليمني، والتي تنص على "معاقبة وحبس من طلب لنفسه أو لغيره أو أخذ بالوساطة من دولة أجنبية أو من أحد يعمل لمصلحتها نقودا أو منفعة مقابل أعمال ضارّة بالوطن".
ويفيد الحميدي أن "هذه القضية تحتاج إلى تحقيق من قبل القضاء، للوقوف على الآثار المترتبة على هذه الأموال، وهل ترتب عليها إضرار بالوطن أو لا".
وعن مشروعية الأموال، التي يستلمها القادة والسياسيون اليمنيون من "اللجنة السعودية الخاصة"، يؤكد الحميدي عدم مشروعية استلام هذه الأموال مطلقا، نافيا في الوقت ذاته وجود أي صبغة قانونية من شأنها إباحة ذلك.
ويضيف: "هذه القضية يجب أن تبحث في إطار الجريمة، وليس في إطار المشروعية".