تقارير
الحوثيون يخرجون من أزمة الشحن في البحر الأحمر سالمين!
منذ دخولهم في الصراع بين إسرائيل وحماس، أواخر عام 2023، اكتسب الحوثيون بشكل مطَّرد قوة عسكرية ونفوذا سياسيا.
وقد غذّت الحرب التجنيد في صفوفهم، وزادت من قواتهم مِن ما يقدّر بنحو 220 ألفا في عام 2022 إلى حوالي 350 ألفا بحلول أواخر عام 2024.
وقد ازدادت من توطيد موطئ قدَمهم في شمال اليمن، ممّا جذب إليهم القبائل المحلية والجماعات السياسية التي تتماشى مع موقفهم المناهض لإسرائيل.
كما أن قدرة الجماعة على الاستفادة من الصراعات الإقليمية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية أثارت مخاوف بشأن الاستقرار الداخلي لليمن، والأمن الإقليمي الأوسع.
- فاعل عسكري يتطوّر أكثر فأكثر في منطقة البحر الأحمر
توسَّعت القوة العسكرية للحوثيين بدعم كبير من إيران، التي زوَّدتهم بتكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيَّرة المتقدِّمة.
وتشمل ترسانتهم الآن صاروخ "حاتم-2"، وصاروخ "آصف" المضاد للسفن، وطائرات مسيَّرة إيرانية الصنع، مما يمكٍِنهم من ضرب أهداف من مسافات طويلة، بما في ذلك السفن الحربية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، وطرق التجارة البحرية الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وقد تطوَّرت العقيدة العسكرية للجماعة إلى ما هو أبعد من تكتيكات حرب العصابات التقليدية، حيث تبنَّت إستراتيجيات مشابهة لوكلاء إيران الإقليميين الآخرين، مثل «حزب الله» و«حماس».
يشمل هذا التطوّر استخدام حرب الطائرات المسيّرة، والضربات الصاروخية الموجَّهة بدِقة، والاعتماد المتزايد على تكتيكات الحرب الإلكترونية لمواجهة أنظمة الدٍِفاع الجوي والصاروخي.
كما طوَّر الحوثيون إستراتيجيات انتشار متطوِّرة، باستخدام مِنصات الإطلاق المتنقلة، والمناطق الساحلية، ومرافق التخزين المدفونة بعُمق تحت الأرض.
شنَّت الجماعة، منذ شهر نوفمبر 2023، أكثر من 100 هجوم في البحر الأحمر، ممَّا أدى إلى تعطيل كبير للشحن التجاري، وتأخير سلاسل التوريد العالمية، ودفع إلى قيام استجابة دولية.
وقد خدمت هذه الحملة غرضين مزدوجين؛ هما: إبراز القوَّة على المسرح الدولي، بالإضافة إلى تعزيز الشرعية الداخلية من خلال تصوير أنفسهم على أنهم مدافعون عن فلسطين، وسيادة اليمن.
وبالرَّغم من الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية المستمرة، التي تستهدف مخزونات أسلحتهم، فقد أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود.
وقد جعلت قدرتها على تشتيت الأصول العسكرية، داخل البنى التحتية المدنية، والمواقع النائية، والمرافق الجوفية، التي يصعب اكتشافها، من الصعب على التدخلات العسكرية الغربية توجيه ضربات حاسمة لها.
وقد كفل اعتمادهم على الحرب غير المتكافئة، إلى جانب الدعم العسكري واللوجستي الإيراني المستمر، استمرار قدرتهم على شن الهجمات بالرغم من الضغوط الخارجية.
وبالإضافة إلى ذلك، قامت جماعة الحوثي بتحسين قدراتها الحربية البحرية، ونشرت قوارب مسيَّرة محمّلة بالمتفجِّرات والألغام البحرية لتهديد ممرات الشحن والقوات البحرية العاملة في المنطقة.
- جزء مركزي من "محور المقاومة" الإيراني
عزز التحالف الأيديولوجي للحوثيين مع إيران وحزب الله وحماس، الذي يُشار إليه غالبا باسم "محور المقاومة"، موقفهم على الصعِيدين الإقليمي والداخلي.
إن خطابهم المُعادي لإسرائيل والمُعادي للولايات المتحدة يتردد صداه في اليمن بشكل كبير، حيث ينتشر الاستياء من التدخل الغربي في المنطقة.
ولقد استفادوا من هذا الشعور لتأطير أنفسهم كمدافعين عن سيادة اليمن، والقضية العربية الأوسع، مما زاد من ترسيخ شرعيتهم الداخلية.
وقد سمح تدخلهم في الصراع بين إسرائيل وحماس، على وجه الخصوص، بحشد دعم شعبي متزايد، حيث ينظر إليهم على أنهم يشاركون بشكل فعَّال في النِّضال ضد العدوان الغربي والإسرائيلي المزعوم.
وقد مكَّنت هذه السردية الحوثيين من إحكام قبضتهم على شمال اليمن، ممَّا زاد من تهميش المنافسين السياسيين والفصائل المعارضة لهم.
وقد أدت الضربات الجوية الإسرائيلية ضد مواقع الحوثيين إلى تضخيم هالتهم القوميَّة، ممّا سمح لهم بتأطير أنفسهم كمعارض مباشر لإسرائيل، ولاعب رئيسي في الصراع الأوسع في الشرق الأوسط.
وبدلا من أنْ تضعفهم هذه الضربات، وفَّرت للحوثيين مزيدا من المبررات لحشد الدَّعم وتجنيد مقاتلين إضافيين.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الحكومة المعترف بها دوليا ضعيفة ومجزأة، وتعاني من صراعات داخلية على السلطة، ومن غياب المقاومة العسكرية المنسَّقة.
لم يتمكَّن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على أجزاء من جنوب اليمن، من التنسيق بشكل فعَّال مع الفصائل الأخرى المناهضة للحوثيين، ممّا يجعل الحكومة عُرضة للانهيار.
يوفِّر هذا الانقسام السياسي المستمر للحوثيين فرصا لتوسيع نفوذهم جنوبا، مستهدفين مدنا ذات أهمية إستراتيجية واقتصادية؛ مثل مأرب وتعز.
إذا استمروا في توسعهم المحلي، فيمكنهم ممارسة المزيد من السيطرة على موارد الطاقة الحيوية في اليمن، الأمر الذي من شأنه أن يعزز مكانتهم كقوة مهيمنة في البلاد ويزيد من قدرتهم التفاوضية في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
نجا الحوثيون من الأعمال الانتقامية الغربية في أعقاب أزمة الشحن في البحر الأحمر.
أدت هجمات الحوثيين على ممرات الشحن في البحر الأحمر إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية بشكل كبير، ممَّا أدى إلى رد عسكري واقتصادي من الولايات المتحدة وحلفائها.
في البداية، ادَّعى الحوثيون أن هجماتهم كانت موجَّهة إلى السفن المرتبطة بإسرائيل، لكن استهدافهم العشوائي المتزايد للسفن التجارية أدى إلى اضطرابات إقليمية واسعة النِّطاق.
وأجبرت قدرتهم على تهديد طُرق التجارة البحرية الحيوية، بما فيها تلك المستخدمة لنقل النفط والبضائع، القوى الغربية على الرد.
يهدف إنشاء دوريات بحرية متعددة الجنسيات إلى ردع المزيد من الهجمات وحماية ممرات الشحن الحيوية، غير أنه لا تزال هناك تحدِّيات في تحييد خطر الحوثيين بشكل كامل.
وكانت الردود الغربية حتى الآن دفاعية في المقام الأول، مع عمليات هجومية محدودة ضد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وفي حين استهدفت الغارات الجوية مواقع إطلاق الصواريخ وأنظمة الرادار ومرافق التخزين، إلا أنها لم تقلل بشكل كبير من القدرات العسكرية الأساسية للحوثيين.
وعلى العكس تماما، أظهرت جماعة الحوثيين قدرتها على التكيُّف من خلال نقل أصولها بشكل متكرر، واستخدام تكتيكات الكر والفر، واستخدام هيكل القيادة اللامركزية للحفاظ على العمليات بالرغم من الضغط الخارجي.
وبالإضافة إلى ذلك، مكَّن الدعم اللوجستي والفني المستمر من إيران الحوثيين من تحسين إستراتيجياتهم الهجومية.
- إطلالة على المستقبل
يبدو أن الحوثيين مستعدون لمواصلة هجماتهم في البحر الأحمر والضربات المتقطعة على إسرائيل، طالما أن الوضع في غزة لا يزال دون حل.
تشير قدرتهم على الحفاظ على الوحدة الداخلية بالرّغم من الانقسامات القبلية والسياسية التاريخية إلى أنهم سيظلون قوة مهيمنة في اليمن.
إن إحجام المملكة العربية السعودية عن الانخراط في تدخل عسكري واسع النطاق من جديد يقوِّي موقف الجماعة، ممّا يجعل توسعها إلى جنوب اليمن مُمكنا بشكل متزايد.
ومع ذلك، فإن هذه الطموحات تنطوي على مخاطر محتملة. وقد يؤدي الاندفاع بعيدا إلى الجنوب إلى تجدد التدخل من اللاعبين الإقليميين؛ مثل الإمارات العربية المتحدة، التي تكمن مصالحها في تأمين طُرق التجارة البحرية على طول بحر العرب، والسيطرة على موانئ اليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التوسّع الحوثي الناجح إلى خلق فراغات أمنية يمكن لجماعات؛ مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم «الدولة الإسلامية» استغلاله، مما يزيد من تعقيد البيئة الأمنية الهشة أصلا في اليمن.
ويضيف وجود فصائل متعددة، بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون والمليشيات القبلية، مستوى آخر من التعقيد، مما قد يؤدي إلى صراعات إقليمية طويلة الأمد، وعدم الاستقرار.
وهناك مصدر قلق رئيس آخر وهو إمكانية زيادة التدخل الدولي إذا بدأت تصرّفات الحوثيين في التأثير بشكل كبير على المصالح الاقتصادية والأمنية الغربية.
ولا يزال البحر الأحمر شريانا تجاريا عالميا مهما، وقد يؤدي استمرار الاضطرابات التي يقوم بها الحوثيون إلى تصعيد استجابة من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة ولاعبين دوليين آخرين.
وفي حين اتخذت هذه الدول موقف رد فعل في المقام الأول، فإن من شأن حملة موسعة ضد الأصول التجارية والعسكرية لها يمكن أن تدفعها نحو اشتباكات عسكرية أقوى، مما يؤدي إلى تغيير ديناميات الصراع بطُرق غير متوقعة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي أي تصعيد إضافي إلى خلخلة الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في اليمن، ممّا يجعل البلاد أكثر عُرضة للحرب الطويلة والانهيار الاقتصادي.
ومن جهة أخرى، لن يحدث بالضرورة تدخل دولي كبير. فبالرغم من أن الحوثيين يتسببون في مشاكل في البحر الأحمر، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد لا يرغبون في الانخراط بعُمق في صراع طويل الأمد.
وبدلا من تكثيف العمل العسكري المباشر، يمكنهم الاعتماد على الضغط الدبلوماسي، أو العقوبات الاقتصادية، أو الحراسة البحرية لتحقيق الاستقرار في التدفقات التجارية دون تصعيد الوضع.
كما أن هناك خطرا من أن يؤدي الرد العسكري الأقوى إلى استفزاز إيران، أو زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر، ممّا يجعل الدول الغربية تفكّر مرتين قبل التورّط فيه.
وأخيرا، سيكون هناك ميل للإذعان للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والسماح لهما بأخذ زمام المبادرة لتجنّب التورّط المباشر.