تقارير
السجون السعودية.. استغلال وابتزاز لمئات المحتجزين اليمنيين
لم تكتفِ السلطات السعودية بالممارسات المهينة واللإنسانية والانتهاكات، التي ترتكبها بشكل شبه يومي، بحق مئات السجناء اليمنيين في سجون الترحيل ومراكز الاحتجاز المزدحمة وغير الصالحة للعيش الآدمي، والمفتقرة لأدنى المعايير الإنسانية والصحية والبيئية والحقوقية بل ابتكرت أساليب جديدة لاستغلال وابتزاز المرحَّلين عن أراضيها، من خلال فرض مبالغ مالية متفاوتة مقابل حفظ ممتلكاتهم ومقتنياتهم، كما يقول أشخاص ممن نزلوا في تلك المعتقلات لموقع "بلقيس".
وتكثّف من إجراءاتها التعسفية ضد السجناء اليمنيين، الذين دخلوا أراضيها بطريقة غير رسمية، وذلك هرباً من جحيم الفقر والبطالة وشبح المجاعة، الذي يلاحقهم مع أسرهم في داخل البلاد، التي تعصف بها أسوأ وأخطر أزمة إنسانية عالمياً، بفعل حرب مزمنة شاركت السعودية في صنعها من خلال التحالف الذي تقوده منذ أواخر مارس العام 2015.
وكالمعتاد تُخضع السجناء لتفتيش دقيق، وتُجردهم من كل ما بحوزتهم من هواتف محمولة، وسماعات، وشواحن، وملابس، ومال، وغيرها، ثم تستغل حاجتهم إلى الاحتفاظ بتلك المقتنيات، وتبتزّهم تحت مسمّى حفظها، وتفرض على كل سجين مبلغا ماليا مقابل إيداع كل قطعة في قسم الأمانات، التابع لسجون الترحيل، أو مراكز الاحتجاز، حسب روايات مرحّلين.
هشام مارش (30 عاماً) - شاب تعددت، خلال السنوات الماضية، رحلاته غير الرسمية إلى السعودية، والمعتقلات التي سجن فيها- يقول لموقع "بلقيس": "يدفع السجين لقسم الأمانات 20 ريالا سعوديا مقابل الجوال، و15 ريالا سعوديا مقابل سماعة الهاتف المحمول، و20 ريالا سعوديا مقابل الفلوس، و15 ريالت سعوديا مقابل الشاحن، إلى جانب دفع مبالغ مالية متفاوتة مقابل المقتنيات الأخرى".
ويضيف: "يدفع السجين مقابل إتمام بعض إجراءات السجن والترحيل، بما فيها مبلغ مقابل الصور التي تلتقطها إدارة السجن له، إلى جانب دفع ضعف أجرة الباص الذي سيقوم بنقله من الأراضي السعودية إلى داخل البلاد".
وتستغل السلطات السعودية سجون الترحيل لجمع الأموال الطائلة من نزلائها، في حين لا تستخدم تلك العائدات في تحسين مواصفات تلك المعتقلات وتنظيفها وتزويدها بالبطانيات والفُرش، ومكافحة الحشرات والقمل والكتان، وتوفير احتياجات السجناء التي من أبرزها الوجبات الغذائية الصحية والجيدة ومياه الشرب الصحية، كما يذكر عدد ممن مروا بها لموقع "بلقيس".
- امتهان
وتزُج في سجن الكربوس، الذي صمم لاستيعاب قرابة 238 شخصاً، ما بين 700 إلى 800 شخص، معظمهم يحملون الجنسية اليمنية، وتتعامل بالطريقة ذاتها في بقية السجون الكبيرة، بما فيها سجن الشميسي في الرياض، وسجن الشميسي في الطريق الرابط بين مكة وجدة، إذ تحتوي تلك المعتقلات على عدد من العنابر التي يتسع كل واحد منها ل200 شخص، ومع ذلك يزج فيه ب700 إلى 800 شخص، معظمهم يمنيون.
ويدور منذ أكثر من عقدين جدل حقوقي حول سجون الترحيل ومواصفاتها، وما يحدث فيها للمهاجرين غير الشرعيين من امتهان وإذلال وتعسف وابتزاز وتجويع وعنف وقمع ومصادرة حريات، وإطالة مدة السجن في معتقلات، يقول شباب سجنوا فيها مراراً، لموقع بلقيس، إنها متسخة وبلا تهوية، ولا تصلح حتى الحيوانات، مضيفين أنهم عاشوا فيها عذابات لا متناهية، وحرموا من الأكل والنوم والحديث، وقضاء الحاجة.
ويرى قانونيون أن نظام السجن والتوقيف السعودي، المعمول به في حق المهاجرين غير الشرعيين، مخالف لحقوق السجين والشروط الصحية والبيئية ومدة الإحتجاز، التي لا تزيد عن أربعة أيام، كما لا يراعي المعايير الأخلاقية ومقوّمات الحياة الإنسانية الكريمة للسجناء، الذين يُرمون كالبهائم في تلك المعتقلات، التي يجرّدون -قبل دخولها- من المال، ويمنعون من شراء احتياجاتهم.
ويتعارض ذلك مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يكفل حق توفير حياة إنسانية كريمة للمهاجرين غير الشرعيين إلى أن تتم محاكمتهم أو ترحيلهم، وتلزم المادة الرابعة من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، الموقّعة العام 1951، الدول المتعاقدة بمنح اللاجئين في بلادها الرعاية نفسها الممنوحة لمواطنيها.
وتختلف مواصفات سجون الترحيل من منطقة إلى أخرى، فالسجون في المناطق الشرقية والغربية تفتقر إلى العديد من المتطلبات واحتياجات السجين، ومع ذلك تعد أقل سوءا من نظيراتها في المناطق الجنوبية، التي تفتقر إلى معظم متطلبات السجن.
يقول عبدالله سعيد (35 عاماً) -شاب تعددت هجراته غير الشرعية إلى السعودية- إن معظم سجون الترحيل تفتقر إلى الفرش والبطانيات، ويصعب على السجين إيجاد مكان للنوم، ويقضي معظم أوقاته واقفاً لشدة الزحام، كما يقضي في بعضها حاجته في الموضع نفسه، الذي يجلس فيه.
ويتعرض السجناء اليمنيون، في بعض سجون الترحيل، لتعذيب نفسي من خلال رفع مستوى التكييف إلى درجة عالية البرودة، ما يمنع عنهم النوم والجلوس، حسب سعيد الذي لفت أيضاً إلى أن الأوساخ والمخلفات تغطي المكان، والروائح الكريهة تزكم الأنوف، قادمة من الحمامات، التي يصعب على السجين دخولها، كما تفيض منها مياه الصرف الصحي إلى حيث ينامون ويجلسون.
- عذابات
شباب آخرون ممن زُج بهم في تلك المعتقلات، ذكروا لموقع "بلقيس" أن السجناء في سجون الترحيل يشربون من المياه المخصصة لدورات المياه، ويعانون من القمل والكتن والبعوض والذباب والحشرات المنتشرة بكثرة، ويعيشون على مدى أيام أو أسابيع عزلة تامة ويحرمون من التواصل مع أهاليهم، كما يتضورون جوعاً، ويتعرضون للسب والضرب والتعنيف اللفظي، ويمنع عنهم الاستحمام وتغيير الملابس، ما يتسبب بإصابتهم بالعديد من الأمراض والأوبئة.
ويذكر معاذ مهيوب (38 عاماً) لموقع "بلقيس" أن مئات اليمنيين يساقون يومياً إلى سجون الترحيل، وبعد أسابيع يتم ترحيلهم على دفعات، تحوي كل دفعة ما بين 1000 و1500 شخص.
ويضيف "ندخل سجون الترحيل ونحن في أتم الصحة، ونخرج منها ونحن مصابين بأمراض متعددة ومتباينة، ولا نقوى على شيء، بسبب ما نعيشه في تلك السجون".
ويتلقى السجين في الصباح حبة رغيف وحبة بيض، وفي الظهيرة قليلا من الأرز مع ربع دجاجة، أما وجبة العشاء فتتكون من قرص رغيف وعدس له رائحة كريهة، في حين يتلقى أحياناً حبة موز أو برتقالة، وهي أشياء لا تروق لنزلاء تلك السجون، الذين قال بعضهم لموقع "بلقيس" إنهم يتغصصون تلك الوجبات، التي يقدّمها عامل النظافة البنغالي، ولا تستسيغها حتى الحيوانات.
وتتعامل السلطات السعودية مع السجناء اليمنيين بعنصرية، وتعاملهم بشكل مختلف عن نظرائهم من الجنسيات الأخرى، فالمهاجر اليمني -في نظرهم- محل شبهة، وملابسه الأنيقة والنظيفة والمتناسقة قد تعرّضه للمساءلة، حول مصدرها، ومن أين جلبها، وهل سرقها؟
ويتطلب تواجد السجناء اليمنيين في سجون الترحيل السعودية الطاعة والإذعان لأوامر السجان، وفي حال خالفها السجين اليمني أو اعترض عليها يتعرّض للّطم من قِبل الجنود السعوديين، والضّرب بالقائش (حزام خاص بالجنود)، وهي أجواء مثقلة ومرهقة بشدة الكبت، وتقييد الحريات والحديث، سواء في فترة السجن أو رحلة الترحيل، التي تعد مرهقة ومكلّفة بالنسبة لليمنيين، الذين يدفع كل واحد منهم أحياناً ألف ريال سعودي مقابل أجرة الباص، الذي سيقلَّهم إلى داخل البلاد.
ويتم ترحيل السجناء اليمنيين من داخل الأراضي السعودية إلى ما بعد منفذ الوديعة على متن باصات كبيرة، وهي رحلة تستغرق قرابة 20 ساعة، لم يتلقى فيها مهيوب وغيره سوى قارورتي مياه صحية، سعة نصف لتر، وفطرتين فقط.
يقول مهيوب لموقع "بلقيس": "ذلك فاقم من تعبي وارهاقي ووهني، وأمراضي، التي أصبت بها كغيري من المحتجزين في سجون الترحيل السعودية، التي يصاب بها اليمنيون بالاكتئاب والأرق والضيق، ويخرجون منها بأجساد معتلة ومتسخة وملوثة ومصابة بالأمراض الجلدية والربو والسعال الحاد والالتهابات الرئوية والصدرية".