تقارير

الغارات الأمريكية وفرص الحكومة.. الحديدة أم معركة شاملة؟

19/04/2025, 09:01:31

تؤكد تصريحات المسؤولين الأمريكيين أن الغارات، التي تشنها واشنطن على مواقع مليشيا الحوثي، تهدف إلى تحجيم قدرتها على شن الهجمات ضد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، دون أن تتضمن خططًا مباشرة لإسقاط سلطتهم في صنعاء.

لكن في المقابل، تتصاعد التأكيدات على اقتراب عملية برية وشيكة قد تستهدف استعادة مدينة الحديدة وموانئها الحيوية، ما يفتح باب التساؤل حول ما إذا كانت هذه التطورات تمهيدًا لتغيير ميداني واسع يسقط سلطة الحوثيين؛ أم لا؟

- مواجهة شاملة

يقول الصحفي عبد العزيز المجيدي:  "في الواقع، نحن أمام نسخة مختلفة من ترامب عن تلك التي كانت في الولاية الأولى. ترامب في ولايته الأولى كان هو من مَكَّنَ المليشيات الحوثية من الحصول على اتفاق ستوكهولم، وهو الاتفاق الذي فُرض على الحكومة الشرعية وعلى التحالف، وأدى إلى بقاء مدينة الحُديدة تحت سيطرة مليشيا الحوثي".

وأضاف: "هذا الاتفاق أوقف بشكل مؤكد استعادة ميناء الحديدة، الذي يُعد الرئة الرئيسية التي تتنفس منها المليشيا، سواء من حيث المساعدات، أو الدعم المالي والإغاثي، وحتى تجارة المشتقات النفطية والتجارة العامة".

وتابع: "بالتالي، فإن ترامب في نسخته الجديدة يختلف، إذ إن تحركه الحالي مرتبط بالتطورات التي شهدتها منطقة البحر الأحمر، والتهديدات التي طالت حركة التجارة هناك من خلال استهداف مليشيا الحوثي للملاحة البحرية".

وزاد: "بالتالي، هناك بالتأكيد حسابات أمريكية متعددة قادت الولايات المتحدة، وإدارة ترامب تحديدًا، إلى شن حملة قوية غير مسبوقة على مليشيا الحوثي، واستهدافها بشكل مركز في مناطق عديدة".

واستطرد: "لطالما حرص الأمريكيون على التأكيد بأنهم في حالة دفاع عن المصالح الأمريكية، وأن لا علاقة لهم بما يسمونه الأوضاع الداخلية في اليمن أو الحرب الأهلية فيها. وقد تم التأكيد على هذا مرارًا، وكان آخره تصريح وزير الدفاع الأمريكي مطلع هذا الأسبوع، الذي قال فيه إن الأهداف الأمريكية تتركز على تقويض قدرات الحوثيين وضمان أمن الملاحة البحرية".

وأردف: "بالتأكيد، يحاول الأمريكيون من خلال هذا الخطاب مخاطبة الداخل الأمريكي بأنهم ليسوا بصدد التورط في نزاع داخلي جديد، لكن تطور مسار الضربات الأمريكية واتجاهها نحو استهداف مخازن الأسلحة والمخابئ والأنفاق وشبكات الاتصالات يشير إلى تغير في طبيعة العمليات".

وأشار: "كما يؤكد الأمريكيون أيضًا أن بعض القيادات الرفيعة في مليشيا الحوثي أصبحت ضمن أهدافهم. وهم الآن يقومون فعليًا بقصف الخطوط الأمامية للمليشيات، وهو تطور لافت ربما يدل على أن الأمريكيين إما يشجعون التشكيلات المحلية على الدخول في مواجهة شاملة مع الحوثيين، أو أنهم فقط يحاولون الإيحاء بأن هذه الحرب قد تتوسع بهدف الضغط على المليشيا لتحقيق شكل من أشكال الردع".

ويرى: "في كل الأحوال، هناك رسائل متضاربة، سواء من الجانب الأمريكي أو من أطراف أخرى. والتسريبات التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية بشأن تفاهمات وتنسيق لشن عملية برية، سواء في الساحل أو في مناطق أخرى، قد تكون أيضًا أحد أشكال الضغط".

وبيّن: "الأمريكان يبعثون بإشارات متضاربة، وهذه الإشارات من شأنها ربما الضغط على المليشيات باتجاه إيقاف الهجمات في منطقة البحر الأحمر، وربما أيضًا الضغط على إيران تحديدًا، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية فتحت مسارًا آخر للتفاوض مع إيران".

وأكد أن "ملف اليمن جزء من هذه المفاوضات، وحتى الآن، التضارب الذي يحدث من خلال المؤشرات المختلفة، سواء من خلال تسريب وسائل إعلامية رفيعة أمريكية، وبالتأكيد وول ستريت جورنال لا تعتمد بالتأكيد على مصادر مضللة، وإذا كانت تعتمد على مصادر ما، فهي تعبِّر عن رغبة أمريكية في التصعيد، ورفع السقف بشكل أكبر من أجل ممارسة الضغط أيضًا على المليشيا، وعلى إيران".

يقول المجيدي: "عندما نفت السعودية والإمارات صلتهما بأي تفاهمات بشأن هذا الأمر، خرجت شبكة بلومبيرغ وتحدثت عن وجود مفاوضات مع طرف يمني، مشيرة إلى قوى معارضة للحوثيين".

وأضاف: "وكان هذا الوصف لافتًا، باعتبار أن من يعارضون الحوثي هم، بالضرورة، من يُفترض أنهم يمثلون الحكومة الشرعية، لكن يبدو أن هناك شكلًا من أشكال التفاهمات التي قد تجري ضمنيًا".

وتابع: "وكان لافتًا أيضًا دعوة طارق صالح إلى تشكيل تحالف دولي، وربما كان هذا تأكيدًا على أن التحالف الحالي لم يعد ضمن فكرة المواجهة بشكل تام؛ فخلال الفترات الماضية، رتب التحالف أوضاعه بطريقة ما، سواء عبر التفاهم الإماراتي - الإيراني - الحوثي الضمني عام 2019، وما تبعه من انسحاب من تخوم الحديدة، أو عبر الهدنة التي رعتها المملكة العربية السعودية، والتفاهمات التي أفضت إلى إعادة تشكيل الشرعية من خلال مجلس القيادة الرئاسي، الذي أُوكلت إليه مهمة التفاوض من أجل السلام".

وأردف: "لذلك، فإن هذه الأطراف قد تحاول النأي بنفسها عن أي تصعيد عسكري مباشر، لكن هناك مبادرة محلية أرسلت رسالة إلى طرف دولي، هو الأهم في هذه المعادلة، الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتولى حاليًا شن الحملة العسكرية".

وزاد: "وعليه، قد تكون هناك تفاهمات ضمنية مع أطراف في الساحل، تمهيدًا لتنفيذ عملية عسكرية مرتقبة".

ويرى أن القوى المحلية "فقدت القدرة على إدارة المشهد منذ أحداث أغسطس 2019، التي شلّت الشرعية وأفقدتها القدرة على المناورة حتى في علاقتها مع التحالف". هذا الحدث، حسب قوله، "مهّد لإعادة تشكيل الشرعية في أبريل 2020، وتم إيكال مهمة التفاوض مع الحوثيين لمجلس القيادة، في إطار تفاهمات سعودية - إماراتية تهدف إلى تحقيق مصالح البلدين".

وأشار إلى أن "التحالف عمل، خلال السنوات الماضية، على تسويات، مثل الاتفاق الإماراتي - الإيراني - الحوثي غير المعلن عام 2019، وهدنة المملكة لاحقًا، وصولًا إلى خارطة الطريق التي منحت الحوثيين وضعًا تفاوضيًا كطرف رئيسي".

ويؤكد أن "دخول الحوثيين خط المحور الإيراني بعد أحداث 7 أكتوبر، وتورطهم في استهداف مصالح غربية، دفع الدول الكبرى، خاصة واشنطن، لإعادة مقاربة الملف اليمني من زاوية حماية مصالحها في البحر الأحمر، وليس من منطلق دعم استقرار اليمن، أو مواجهة الحوثيين".

وأكد أن "هذا التحرك يعكس إدراكًا دوليًا بأن الحكومة اليمنية باتت مشلولة، وغير قادرة على التأثير في المشهد".

- كل الخيارات مطروحة

بدوره، يقول الباحث والكاتب ثابت الأحمدي: "في الواقع، كل ما هو جارٍ حتى الآن من قبل الأمريكيين هو رفع السقف إلى درجة كبيرة جداً من أجل التفاوض. طبعاً الضربة هي أمريكية ولا علاقة لأحد بها من كل الأطراف، هدفها الضغط على إيران بقوة من أجل التوصل إلى مفاوضات وفق ما يريده الطرف الأمريكي، لا وفق ما تريده إيران حتى الآن".

وأضاف: "أستطيع أن أقول -وهذه معلومة- إن الأطراف الإقليمية والدولية غير متفقة على حسم الملف الحوثي بصورة نهائية عسكرياً".

وتابع: "البريطانيون لهم شروطهم، والاتحاد الأوروبي -ربما آخر من قابل الرئيس الدكتور رشاد العليمي- كان له بعض الشروط التعقيبية على شروط البريطانيين".

وأوضح: "الأمريكان كانوا قد أفضوا إلى اتفاق مع الشرعية اليمنية فيما يتعلق بالساحل العربي فقط. أما صنعاء، فمسألة مؤجلة عندهم؛ لأن الحوثي في نظرهم إرهابي في البحر الأحمر فقط، وليس إرهابياً فيما عدا البحر الأحمر، وهذه الإشكالية التي نتقاطع فيها أحياناً -وللأسف الشديد- مع بعض آراء المجتمع الدولي".

ويرى الأحمدي أن "هذا ما يجري حتى اللحظة، وعلى أحسن الأحوال سيكون حسم مسألة الساحل الغربي فقط، هذا في المدى المنظور فيما يتعلق بالحسم، إنها مسألة مؤجلة على المدى المتوسط على الأرجح في الوقت الحالي".

واستطرد: "كل ما يجري الحديث بشأنه في الأروقة الداخلية، في اللقاءات، في الجلسات، يتعلق بالساحل الغربي فقط، وهذا يعني فيما يتعلق بالفريق كله، أما فيما يتعلق ببريطانيا -على وجه التحديد- فلها تحفظات حتى على الساحل الغربي في الوقت الحالي".

ولفت: "حتى الآن، تأتي الضربات الأمريكية في إطار محاولة تركيع الحوثيين، من أجل الوصول إلى طاولة المفاوضات بشروط الطرف الأمريكي، وليس بهدف القضاء عليهم بشكل نهائي".

وأضاف: "عبد الملك الحوثي، في المحصلة النهائية، ليس خافيًا على الأمريكيين إطلاقًا. لديهم بصمة وجه، وبصمة عين، وبصمة صوت، ويمكنهم الوصول إليه متى ما أرادوا، حتى في هذه اللحظة. ولا يُعد عبد الملك الحوثي أكثر تحرّزًا من حسن نصر الله، ومع ذلك، وصلوا إلى نصر الله في اللحظة التي أرادوها. الأمر مؤجل فقط لاعتبارات تخصهم".

وأوضح: "كل الخيارات مطروحة خلال الفترة القادمة، وعلى الأرجح قد تُحسم مسألة الساحل الغربي فقط، على المدى القريب".

وأضاف: "القضية اليمنية لم تعد قضية داخلية بحتة، بل أصبحت إقليمية ودولية. فأي دولة تخضع للبند السابع لا تمتلك قرارها السيادي بالكامل، وهذه حقيقة يجب أن نتعامل معها بواقعية، بعيدًا عن المثاليات أو العواطف".

تقارير

انعكاس لفقدان الثقة.. كيف أصبحت تصريحات المسؤولين في الشرعية غير مقنعة لليمنيين؟

في كل مرة يخرج فيها مسؤول حكومي بتصريح جديد، سواء من داخل اليمن أو من إحدى العواصم الإقليمية، تتدفق مئات التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن الناس باتوا في سباق يومي لإفراغ ما تبقى من الغضب المكبوت، لا لمجادلة مضمون التصريحات، بل لتفريغ اليأس مما تبقى من صورة الدولة.

تقارير

مجزرة ضحاياها مدنيون.. ما أسباب الاستهداف الأمريكي لميناء رأس عيسى؟

أعلنت مليشيا الحوثي مقتل وإصابة نحو 250 شخصا جراء الغارة الجوية الأمريكية، التي استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي على البحر الأحمر في الحديدة، مشيرة إلى أن حصيلة الغارات ارتفعت إلى 74 شخصا وإصابة 171 آخرين.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.