تقارير
بين مؤيد ومعارض.. السابع من أكتوبر والتحول الكبير في القضية الفلسطينية
بعد عشرين يوما من الحرب على غزة، لا يزال هجوم الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر، ثم الهجوم الإسرائيلي وما تبعه من مواقف، يثير الكثير من النقاش في اليمن كما في باقي الدول العربية.
وذلك على الرغم من التضامن المطلق مع حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وسوء أداء الأنظمة العربية، ورد فعلها السلبي تجاه ما يحدث لسكان غزة، إضافة إلى الغضب من الموقف الغربي السافر في دعمه المطلق لإسرائيل في هجومها على المدنيين.
إلا أن هناك أصواتا ارتفعت في هذه الجولة من الحرب تطرح رؤى مختلفة..
- أخطاء فادحة
يقول الكاتب والناشط، بشير عثمان: "نحن نعيش أسوأ أيام فلسطين، منذ 48 و67، و73"، مشيرا إلى أنه يشعر بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني والتضامن والاحترام لنضالاته.
واستدرك: "أشعر بالعقلانية والاعتدال خصوصا في هذه المرحلة"، مضيفا "نحن العرب -سواء الدول العربية المحاددة لفلسطين أو الدول العربية التي تبعد عن فلسطين مسافة بعيدة مثل اليمن- لا يمكنها فعل شيء لمناصرة القضية على المستوى الفعلي أو المستوى الميداني، وبالتالي كل المواقف التي تسجل في اليمن هي مواقف ليس لها تأثير على مجريات الأحداث".
وأوضح: "كان لي موقف منذ البداية، منذ أن نزلت على هذه القضية، وأنا نضجت على مستوى المفكرين العرب، أو الكتابات العربية القومية التي تناصر قضية الشعب الفلسطيني بشكل عام".
وتابع: "أنا أدين تصرفات حماس، وأدين تصرفات جميع الحركات الإسلامية بما فيها الجهاد، وكل الجماعات المناضلة في فلسطين، التي ترتكب أعمالا تتنافى مع القانون الدولي أو تتنافى مع أخلاقنا كعرب أولا وقبل القانون الدولي".
ويرى أنه "لا يمكن الاعتداء على المدنيين، كما فعلت حماس، وقتلت -في سبعة أكتوبر- ألفا وأربعمائة إسرائيلي، وأيضا ارتكبت -في جميع المراحل النضالية السابقة- أخطاء فادحة، وكان ضحيتها الشعب الفلسطيني، ولم تحقق أي إنجاز على المستوى التكتيكي أو على المستوى الإستراتيجي لخدمة القضية الفلسطينة".
واستطرد: "في ألفين وثمانية، انقلبت حماس على شركائها في فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية، وارتكبت خطأ فادحا، كان ضحيته أكثر من ألف وثمانمائة فلسطيني، ثم بعد ذلك ارتكبت أخطاء وأعادت ارتكاب الأخطاء، وكما يقول أنشتاين: من الغباء تكرر التجربة وانتظار نتائج مختلفة"، حسب تصوّره.
ويرى أن "حماس -منذ ألفين واثنا عشر وألفين وثلاثة عشر وألفين وأربعة عشر وألف ثمانية عشر- تكرر نفس الأخطاء ونفس التجارب، التي تقود إلى نفس المتاعب"، مشيرا إلى أن "المتاعب هي أن الشعب الفلسطيني سيكون ضحية للانتقام"، بحسب كتاباته السابقة.
- إعادة القضية الفلسطينية
وزعم أن "ضرب حركة حماس سيمهد لإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها".
وقال: "الكثير من المفكرين العرب -سواء القوميين أو اليساريين- نصحوا وأوصوا بعدم أسلمة القضية الفلسطينية".
وأضاف: "نحن لا نختلف كعرب حول القضية الفلسطينية، وحول نضالات الشعب الفلسطيني، وعدالة القضية، لكن نختلف حول التكتيكات والأدوات التي يجب أن نستخدمها".
واتهم "حركة حماس تستخدم أدوات الإرهاب والعنف غير المبرر، وأحيانا غير المحسوب وغير المدرك لنتائج ما تقوم به".
- سرديتان
بدوره، يقول الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور عبدالله القيسي: "الرحمة للشهداء الفلسطينيين، والشفاء للجرحى، والثبات للأحياء المرابطين، المناضلين المقاومين في هذه البقعة من الأرض، ضد أعتا وأقوى قوة في الكرة الأرضية اليوم، التي طرحت كل حقوق الإنسان جانبا، وأتت بكل القنابل على هذا الشعب".
وأوضح: "بالنسبة لهذه اللحظة -السابع من أكتوبر- للأسف هناك سرديتان تتنازعان اليوم في الإعلام الإقليمي والدولي، الأولى تقول يجب أن ننظر إلى هذه المسألة ضمن تاريخ طويل يمتد إلى خمسة وسبعين عاما، وأن لا ننتزعها من هذا السياق، لأنه لو انتزعناها من هذا السياق ستظهر بغير صورتها الحقيقية، يمشي وراء هذه السردية كل أحرار العالم".
وأضاف: "السردية الأخرى تريد أن تختزل الصراع أو الاحتلال، وتختزل معارك منذ 48، وتهجير شعب واحتلاله، وتشريد أهله، في يوم واحد، بدون أن نذكر ما قبله".
وتابع: "يوم سبعة في الأرقام لديه أرقام قبله وأرقام بعده، وشهر أكتوبر لديه أشهر قبله وأشهر بعده، وألفين ثلاثة عشر كذلك، ما الذي جرى في التأريخ هذا كله؟ جرى عدد من الحروب، عدد من الجرائم".
وأشار إلى أن "إسرائيل ليست المرة الأولى التي تضرب غزة بهذه الصورة، ضربتها في 2006، و2009، و2012، و2014، و2019، و2021، و2022، و2023".
وتابع: "إذاً في كل عامين تقوم بحرب على هذه المنطقة المعزولة المحاصرة منذ ثلاثين عاما، وقتلت آلاف الشهداء، وجرحت عشرات الآلاف، ونزح الناس، ولا زال الجرحى والمعوقون إلى يومنا هذا، ومع ذلك ينتزع هذا كل".
وبيّن: "ستة آلاف من المعتقلين في سجونها، من الضفة الغربية حوالي ثمانون في المائة، من الاتفاق الذي تم بعد 67، بمعنى أن هذا التاريخ الطويل كانت هذه لحظة واحدة أراد الفلسطينيون أن يردوا هذا الاحتلال، وهذا الإجرام، وإخراج الأسرى، والانتهاكات التي حصلت في السنين الماضية للأقصى، بأن يردوا ويدافعوا عن أنفسهم".
وأكد: "هذا حق مشروع لكل إنسان في الأرض أن يرد الاعتداء عن نفسه، وأن يدافع ضد من يريد أن يحتل أو يغتصب أرضه، أو يعتدي عليه، وعلى أهله وكرامته، فمن حقه أن يدافع عن نفسه بكل الطرق المتاحة، والمستطاعة بين يديه، ولا نستطيع أن ننزع عنه هذا الحق".
- بدأت منذ عقود
ويرى القيسي أن هذه المعركة "طوفان الأقصى" بدأت منذ عقود، "وهي معركة ليست فقط على الأرض، وإنما معركة على الإعلام، ومعركة مع الوعي العربي بشكل عام"، مبينا أن "الغرب استطاع -في العقود الماضية- أن يخترقوا الوعي العربي، وأن بجنّدوا أصواتا عربية تنقل السردية الغربية باستمرار".
وبيّن أن "هناك أصواتا عربية لا تستطيع أن تضع المعايير الأخلاقية لأي موقف تتبناه، وإنما تنتظر ماذا تقول المؤسسات الغربية وما يقوله الغرب ثم تتبنى هذه الرؤية كيفما كانت".
وزاد: "عندما حاربت أوكرانيا، أوكرانيا مناضلة، مناضلة ضد روسيا، لماذا؟ لأن الغرب يقول إنها مناضلة وروسيا دولة محتلة، وعندما يأتي شأن فلسطين الغرب يقول: حماس هي معتدية، يقولون معتدية، هؤلاء للأسف يتبنون المعايير أو السردية الغربية كيف ما هي، ولا يستطيعون في يوم من الأيام أن ينتقدوا أي سردية غربية كيفما كانت؛ لأنهم يدينون بدين الغرب".
- حركة مقاومة
وفنّد القيسي المزاعم الغربية بقوله: "حماس لم تقتل المدنيين، وإنما حدث انهيار للجدار، فهاجمت معسكرات، وخرج مواطنون -وهذه معروفة وشاهد الناس ذلك- والمواطن الفلسطيني، الذي يتعذب منذ خمسة وسبعين عاما، ارتكب بعض الأخطاء، التي نعتبرها أيضا أخطاء، ولكن في قياس ما ترتكبه إسرائيل نقطة في بحر".
ويرى أن "من حق الفلسطيني أن يختار الطريقة، التي يقاوم بها المحتل؛ بسِّلم بالسلاح، كيفما يختار، ولا يحق لشخص أن يختار طريقة ويلزم الآخرين بذات الطريقة".
وأكد أن "حماس هي حركة مقاومة من حقها أن تقاتل للدافع عن أرضها وعرضها".
وردا على من يقول إن ما حدث في السابع من أكتوبر عبارة عن مغامرة، يقول الدكتور القيسي: "عندما خرج عمر المختار ببضعة رجال، وخرج الفلسطينون في انتفاضة 87 بالحجارة أمام الدبابات، وخرج الجزائريون أمام المحتل الفرنسي وقدموا مليون شهيد، وخرج راجح لبوزة في بضع من المقاتلين في اليمن أمام المستعمر البريطاني، ولم نقل إنها مغامرة، لماذا؟، مجيبا "لأن هناك فرقا رئيسيا بين أن تختار المعركة أنت، وفي هذه الحالة تحسب لموازين وفارق القوى وتحاول قدر الإمكان أن يكون فارق القوة متقاربا أو بسيطا، وبين أن يهجم محتل أو شخص إلى دارك، في هذه الحالة تقاتله بكل ما لديك، فإن قتلت فأنت شهيد".
ولفت إلى أن "السردية الثانية -للاسف- تقول استمتع فقط؛ هذه هي السردية الغربية التي يتبناها الغربيون العرب".
وأشار إلى أن "الذي حدث مؤخرا، هو أن هناك تغيرا في عاملين مهمين في المنطقة، هما ما بعث على هذا التوحش الكبير الإسرائيلي، الأول: هناك ضوء أخضر غربي شامل من كل الدول الغربية الكبرى وبالذات أمريكا، الثاني أنهم ضمنوا الدول العربية والدول التي طبعت معهم، بل ذهبت إلى مسألة أكبر وهي الاشتغال والوقوف معهم وتبني رؤيتهم، لذلك توحشوا في هذه الضربة".