تقارير

تعز بين الإهمال والتآمر.. كيف تحوّلت الموارد المحلية إلى مصدر نزاع بدلاً أن تكون أداة تعزيز للصمود؟

24/08/2025, 11:26:28
المصدر : تقرير خاص

أصدر وزير الدفاع، الفريق الركن محسن الداعري، مذكرة رسمية إلى قيادة محور تعز، شدّد فيها على ضرورة التوقف عن استيفاء ضريبة القات من قِبل وحدات عسكرية تابعة للمحور، معتبراً ذلك تجاوزاً لصلاحياتها.

سارعت قيادة المحور إلى الرد مؤكدة أن أفرادها يعيشون في أدنى سلم الرواتب مقارنة ببقية التشكيلات، لتتحول القضية إلى ساحة مواجهة علنية بين المؤسسات العسكرية والمدنية.

يكشف هذا السجال عن عمق الأزمة التي يعيشها الجيش الوطني، حيث تتحول الموارد المحلية إلى مصدر نزاع بدلاً من أن تكون أداة لتعزيز الصمود. تعز ومأرب، وهما خطا الدفاع الأكثر اشتعالاً في مواجهة الحوثيين، لا تزالان تعانيان من ضعف التمويل، بينما تُغدق المخصصات على جبهات أقل تأثيراً.

يعكس التفاوت في الرواتب والدعم بين الجيش الوطني والتشكيلات الممولة إقليمياً سياسة متعمدة لإبقاء المؤسسة الوطنية في موقع التابع، وإفساح المجال لتعدد القوى المسلحة على حساب بناء جيش موحد.

منحى خطير جداً

قال نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بقيادة محور تعز، العقيد عبد الباسط البحر: «نأسف كثيراً ولا ندري كيف يتم تسريب وثائق عسكرية على درجة من السرية إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يتم التعامل بهذه الخفة وبهذا الطيش مع وثائق عسكرية يستفيد منها العدو ونحن في حالة حرب؟».

وأضاف: «هذه الوثائق وهذه المعلومات لها قنواتها الرسمية والعسكرية، ويعاقب كل من يفشي هذه الأسرار العسكرية في حال السلم وفي الحالة الطبيعية، فما بالنا ونحن في حال حرب ومواجهة وجودية ومعركة وطنية كبرى ومصيرية، ويتم التعامل بهذه الخفة؟!».

وتابع: «هذه القضية مهمة لكنها كانت إيجابية من ناحية، لا يوجد شر محض ولا يوجد خير محض، رغم تحفظنا على تسريب وثائق عسكرية والتعامل مع المؤسسة العسكرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي».

وأردف: «هذا منحى خطير جداً وله تداعياته وآثاره على المعركة الوطنية وعلى معركة الدفاع الوطني، إلا أنها كشفت جانباً مهماً جداً، وهو الجانب الذي يجعل أبطال وقوات وقيادة وضباط وصف جنود محور تعز على درجة عالية من المعنوية والجاهزية والأداء تحت أي ظروف ومهما كانت الإمكانيات الشحيحة أو المنعدمة في معظم الأحيان، وهو الالتفاف الشعبي».

وزاد: «كان هناك التفاف شعبي منقطع النظير، كشف معدن هذا الشعب الأصيل، كشف أن الشعب والجيش جسد واحد، مصير واحد، مصير مشترك، وأن مقاومة مليشيا الحوثي هو قرار شعبي تعزي بامتياز».

وقال: «نوجه الشكر لشعبنا، فالجيش هو الابن الشرعي للشعب وامتداد لمقاومة الشعب، وبالتالي هذه الحاضنة الشعبية هي التي تكسب الجيش معنوياته، وهي صانعة الانتصارات وصانعة أهداف الجيش الوطني إن صح التعبير».

وأضاف: «حسب اعتقادنا وتعاملنا، لا يوجد أحد ضد الجيش أو ضد القوات المسلحة اليمنية أو ضد المعركة الوطنية أو ضد تسخير كل الموارد والإمكانيات لصالح هذه المعركة الوطنية، من مكتب وأعضاء مجلس الرئاسة، إلى الوزراء، إلى القيادة العليا للجيش ممثلاً بمكتب القائد الأعلى ورئيس هيئة الأركان العامة والأخ وزير الدفاع وغيرهم».

وتابع: «أعتقد أن هناك معلومات قد تكون مضللة وصلت إلى هنا أو هناك، أو موقف غير متضح تماماً ويجري توضيح الصورة».

وأردف: «ما حدث أن هناك اتهامات لمحور تعز، وهناك حملة تشويه ممنهجة، وحملة تضليل واسعة، لا تضع التصور الصحيح لمعركة تعز ولمعركة الجيش بشكل عام. تعز هي صانعة الانتصارات».

وزاد: «المقارنة بين تعز ومأرب هي مقارنة مجحفة نوعاً ما، لأن مأرب لديها دعم ومصاريف من السلطة المحلية ولديها أيضاً إكراميات كل بضعة أشهر من الأشقاء في السعودية، أما جيش تعز بلا إكراميات، بلا موازنة تشغيلية، بلا أي دعم من السلطة المحلية، بلا أي إمكانيات».

وقال: «مليشيا الحوثي سيطرت ودمرت مؤسسات الدولة كاملة، ونحن أعدنا تأسيسها من الصفر، فإمكانيات الدولة وظروف الدولة يعلمها الجميع، ولذلك حتى عند مخاطباتنا للجهات العليا في الدولة يكون معظم الرد أنه الإمكانيات لا تسمح، ويمكن أن تُغطى إمكانيات المعركة وإمكانيات الجيش من الموارد المحلية في المحافظات والمديريات».

الجيش يتعرض لهجمات

قال الصحفي سلمان المقرمي: «من المعروف أن الجيش في تعز يتعرض لهجمات متعددة منذ فترة طويلة وليس من الآن».

وأضاف: «الأسبوع الماضي كان هناك اغتيال لأحد الضباط ومن أفضلهم كفاءة، في شارع جمال، وقبل أسابيع كان هناك محاولة تفجير مخزن سلاح، وفي الفترة نفسها كان هناك تفجير لسيارة ضابط في التربة».

وتابع: «في شهر أغسطس فقط هناك ثلاث عمليات استهدفت الجيش، والرابعة قام بها المحافظ نبيل شمسان، من خلال عملية تستهدف موارد الجيش، وهي أخطر من الهجمات السابقة».

وأردف: «إذا كانت الهجمات السابقة تستهدف أفراداً أو مخازن، فالهجمات التي يقوم بها المحافظ نبيل شمسان تستهدف موارد الجيش، وعزله، وتحوله إلى مشكلة وعدو للمجتمع، بينما نحن نعرف أن الجيش هو مؤسسة الدولة الوحيدة التي تعمل في تعز».

وزاد: «كان لدينا بجانب الجيش والأمن مؤسسة التعليم، ولكن الحكومة وسلطتها المحلية لم تفعل شيئاً للمعلمين، وكانت السنة الماضية إضراب».

وقال: «وزير الدفاع الذي جاء ليؤيد ما يقوله المحافظ شمسان، وهو لا يعرف جبهات تعز ولا يزور جبهاتها، ولا يعرف أي شيء، وذهب إلى زيارة الجبهات التي تعج بالأموال السعودي، والمناطق الثرية، وهي جبهات الحدود وجبهات حضرموت والمهرة».

وأضاف: «الذي يعرف المبررات لهذا الهجوم على الجيش في تعز، هو القائم على الهجوم، ولكن نحن في المدينة يمكن أن نقول لأن لدينا محافظ مثل نبيل شمسان، الذي رأيناه كيف يحتشد بقوته وسلطته الكاملة ضد الجيش، وكأن المدينة عدواً لهم».

وتابع: «منذ 2015 حتى 2025، على مدى عشر سنوات، لا يوجد مشروع حكومي واحد ممول من الحكومة في مدينة تعز، باستثناء طريق تعز - التربة وهو المشروع المتعثر منذ خمس سنوات ولم يكتمل، غير ذلك لا توجد كهرباء، لا يوجد ماء».

"السلطة المحلية ليست عربة بيع للآيسكريم"

قال مدير عام الموارد المالية بمحافظة تعز، مهيوب الحبشي: «إن قدسية الجيش الوطني في تعز والتضحيات التي يقدمونها هي محل إجلال وإكبار لكل أبناء تعز وللوطن أجمع، ونحن في السلطة المحلية نؤكد أن استحقاقات الجيش سواء من مرتبات أو من نفقات تشغيلية أو من تسليح هي واجب على السلطات المركزية ممثلة في وزارة الدفاع، هذا من الناحية الدستورية والناحية القانونية».

وأضاف: «يجب أن نفصل الاختصاصات والمسؤوليات ما بين السلطات، فنحن لا نعيش في ظل إعلان دستوري، نحن نعمل في إطار دستور وقوانين نافذة تنظم كافة العمليات».

وتابع: «السلطة المحلية في محافظة تعز ليست عربة بيع للآيسكريم، بقدر ما هي مؤسسة حكومية تعمل وفق نصوص وقوانين، وتخضع للأجهزة الرقابية ممثلة في الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أو الجهات المركزية العليا، وتعي اختصاصاتها تماماً».

وأردف: «هناك واجب وطني قد تقتضيه الضرورة، أن تقدم السلطة المحلية دعماً للجيش وفقاً لإمكانياتها المتاحة، وهذا ما تعمل عليه السلطة المحلية بتعز، منذ عام 2018».

وزاد: «السلطة المحلية اليوم -للأسف الشديد- تُتهم بأنها تنصلت عن مسؤولياتها، أولاً التنصل عن المسؤولية متى ما كان الاختصاص يقع ضمن نطاق المسؤولية القانونية للسلطة المحلية يمكن أن نسمي ذلك تنصلاً، لكن من باب الواجب الوطني السلطة المحلية التي تُتهم اليوم بالتنصل وعدم تقديم الدعم، فهذا كلام غير صحيح».

وقال: «السلطة المحلية في تعز أفردت باباً في موازنتها المحلية منذ العام 2018، وأسمته باب دعم الجيش والأمن».

وأضاف: «قيادة الجيش وقيادة محور تعز تعلم ما هو الدعم المقدم للجيش منذ العام 2018، وعلى سبيل المثال في العام 2021 وعلى لسان محافظ المحافظة نبيل شمسان، أعلن بجعل كافة موارد السلطة المحلية تحت تصرف الجيش متى ما اقتضت الضرورة لذلك».

وتابع: «السلطة المحلية أيضاً تتحمل نفقات للجرحى الأشد ضرراً وبشكل شهري، وهي التي وراء التشريعات التي أقررناها بالمخالفة في دعم الجيش عن طريق إضافات مبالغ سواء على المشتقات النفطية أو على جوازات السفر لدعم الجيش أو الأمن».

وأردف: «السلطة المحلية وإلى هذه اللحظة تؤكد أن الواجب الوطني يوجب عليها متى ما كانت هناك ضرورة أن يكون حاضراً، لكن لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن تعفى السلطات المركزية عن مسؤولياتها أبداً».

وزاد: «نحن نطالب السلطات المركزية ممثلة بالقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الحكومة، ووزير الدفاع؛ بالقيام بواجباتهم الوطنية المناطة بدعم الجيش سواء من رواتب أو تسليح أو نفقات».

وقال: «بالنسبة لضريبة القات، فمصدر القات يأتي من مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وبالتالي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن نركن أن هذا مصدراً لتمويل الجيش، لأنه يمكن عندما تنطلق شرارة المعركة، أن تستخدم هذه الورقة وتقوم الميليشيا بمنع دخول القات إلى المدينة، وحينها هل نبقى متفرجين أم نبحث عن مورد آخر؟».

تعيش محافظة تعز منذ اندلاع الحرب في 2015 وضعاً معقداً جعلها إحدى أكثر الجبهات استنزافاً في مواجهة الحوثيين. 

ورغم مكانتها المحورية في الصراع، تعاني المدينة من إهمال مزمن في الخدمات وغياب المشاريع الحكومية، إلى جانب ضعف تمويل الجيش الوطني وحرمانه من موازنات تشغيلية منتظمة. 

وقد انعكس هذا الوضع على طبيعة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة المحلية، حيث تتحول الموارد المحدودة – مثل ضرائب القات – إلى محور جدل وصراع بدلاً من أن تُسخّر لتعزيز الصمود في وجه المليشيات، في ظل تفاوت واضح في الدعم المقدم لجبهات أخرى مقارنة بتعز.

تقارير

ضحايا بشرية وخسائر مادية.. ما التأثيرات المتوقّعة من المنخفض الجوي الذي يضرب اليمن؟

يشهد اليمن في السنوات الأخيرة تصاعدًا للأعاصير والمنخفضات الجوية، حيث تسببت سيول الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد حاليًا بوفاة مواطنين، ودمار للشوارع والطرقات والمنازل والمزارع في عدة محافظات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.