تقارير
تعز.. محل لبيع الأزياء التراثية مع أرشيف صور وقاعدة بيانات
قناة بلقيس - هشام سرحان
جرّدته الحرب والحصار في مدينة تعز من عمله السابق، كمسوّق لدى إحدى الشركات الخاصة، لكن لم يسلباه الأمل والقدرة على اقتناص الأفكار حتى من ابنته الصغيرة، التي تحوّلت إلى مصدر إلهام لفكرة مشروعه الخاص، الذي يثير الاستغراب، ويبعث على التساؤل، حول مدى قدرته على بيع الأزياء التراثية والشعبية العريقة، وسط كل هذه الحداثة، وحضور الموضات والأزياء العصرية، التي يميل إليها الناس.
راودت أشرف الحارث (37 عاماً) فكرة بيع الأزياء التقليدية الخاصة بعدد من مناطق البلاد، وإنشاء محل لها في إحدى أشهر أسواق مدينة تعز، وذلك أثناء بحثه عن زي تراثي لطفلته، في الوقت الذي غادر فيه عمله جراء الأوضاع الراهنة، التي تمر بها البلاد منذ العام 2015.
لم يكتفِ الحارث بجمع الأزياء الشعبية اليمنية تحت سقف واحد، بل شرع في البحث عن القديمة والنادرة والمندثرة منها، وجمع معلومات وصورا لها، في مسعى منه لتنفيذ نماذج مماثلة لها، وتكوين قاعدة بيانات مع أرشيف صور خاص بتلك الأزياء.
وهدف إلى الحفاظ على هُوية البلاد وتراثها الأصيل، وإبراز ثقافتها، واستعادة ماضيها، وإحياء تقاليد أسلافها المتوارثة، بالتعاون والتنسيق مع فريق من المصممين والمصممات، وذلك لإنتاج الأزياء التراثية، وتوفيرها بأسعار متواضعة، تزيد مستوى الإقبال عليها، وتوسّع انتشارها، وتعزز حضورها، في ظل تدني مستوى انتشارها، وتواري الكثير منها عن واجهة المشهد.
* توظيف الخبرات
واستغل خبراته السابقة في مجال التسويق، في عرضها بشكل جيّد، والترويج لها بشكل عصري، وعبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ما يساعد على إعادتها إلى واجهة المشهد الثقافي والاجتماعي، ويرفع مستوى الوعي المجتمعي بقيمتها، وأهميتها التاريخية، ويشجّعهم على اقتنائها وارتدائها في سائر الأيام، وليس بالمناسبات والأعياد فقط.
وتزدهر تجارة الأزياء الشعبية، وإنتاجها في اليمن، ما يجعلها مصدر دخل لآلاف الأسر التي توارثت صناعتها والاتجار بها منذ عدة عقود، فيما شهدت مؤخراً تعافياً ملحوظاً، وتحسناً تدريجياً في الإقبال عليها، وذلك عقب سنوات من تراجع حضورها، واختفاء الكثير منها بشكل أخاف المهتمين بالموروث الشعبي، وجعلهم يحذرون من اندثارها.
وينهمك الحارث في تصفح الصور القديمة للأزياء العريقة والمندثرة، ثم يعرضها على المصممين لإنجازها، كما يبذل جهوداً كبيرة لجمع معلومات حول الأزياء التاريخية بما فيها: 'الحُلي' و'الإكسسوارات' القديمة، التي كانت سائدة في مختلف محافظات البلاد، كما يقضي جزءا من وقته في توثيق البيانات والصور، ما راكم لديه ثروة معلوماتية، وخلفية معرفية متعددة المجالات والجوانب.
يقول أشرف الحارث لموقع 'بلقيس': "عشقي لتراث بلدي الشعبي والأصيل، وعدم تمكّني من إيجاد زي تقليدي لابنتي، جعلني أستغل الفرصة، وأنشئ محلاً، أطلقت عليه 'أصول'".
ويضيف: "بيع الأزياء و'الحُلي' و'الإكسسوارات' القديمة، ونشاطي مرتبط بفريق عمل كبير، يقوم بإنتاج نفس الأزياء التراثية، التي نعثر عليها في الصور القديمة".
ونجح مع فريقه في خلق أزياء كانت دفينة، ولم تعد معروفة بين الناس، ما جعله واحداً من أبرز المهتمين والخبراء في هذا المجال، الذي يشهد تطوراً ملحوظاً، وتعافياً متواصلاً، وتحسناً مستمراً، في مستوى إقبال الزبائن، الذين عادوا إلى الأزياء التقليدية، ووسعوا من نطاق استخدامها، في حين خصص البعض لها أياماً في أعراسهم، فضلاً عن ارتدائها في الفعاليات الرسمية، والمجتمعية الأخرى.
* تاريخ ممتد
وفيما تزخر اليمن بعشرات الأزياء الشعبية، التي تختلف من محافظة إلى أخرى، تتعدد في تعز، وتختلف من مديرية إلى أخرى حسب الحارث، الذي أشار إلى وجود أكثر من 24 زياً في هذه المحافظة، المعروفة ب'العاصمة الثقافية'.
وتعود الأزياء الشعبية في اليمن إلى حقب زمنية مهمّة وقديمة، من بينها العهدين 'السبئي' و'الحِميري' وغيرهما، وطرأ على الكثير من تلك الأزياء تغيير طفيف في شكلها، لكنها ظلت مُحافظة على الكثير من مكوِّناتها، التي ظلت حاضرة حتى اليوم.
وتحتل الأزياء التراثية مكانة في نفوس اليمنيين، الذين يعتبرونها جزءا من ماضيهم، وثقافتهم، وموروثهم الشعبي، وهُويتهم، وهو ما يشير إليه المواطن عبدالملك محمد (أحد الزبائن) موضحاً: "نشتريها لنُحافظ على تراثنا اليمني الأصيل" .
ويؤكد البعض على مباهاتهم بها، لأهميتها الكبيرة بالنسبة لهم، ولكونها تمثل ماضي أجدادهم، وحاضر ومستقبل أبنائهم وأحفادهم، وهو ما يؤكده بسام العديني، الذي أوضح لموقع 'بلقيس': "الزيّ الشعبي تاريخنا الممتد عبر مئات السنين، ونشتريه لنشجّع المنتجات المحلية، ونذكّر أبناءنا بزيّ أجدادهم وجداتهم الخاص، الذي ليس فيه تقليد لأي بلد آخر".