تقارير
تعزيزا للنزعة الطائفية.. حملات حوثية لمصادرة الكتب الدينية من المساجد
في إطار الحرب المحمومة على التنوع الثقافي والفكري والمذهبي التي عاشتها اليمن منذ قيام ثورة 26 سبتمبر، تحاول مليشيا الحوثي طمس كل الاختلافات، وتفصيل كل مقومات البلد على مقاساتها ومعتقداتها، ومحو كل ما يخالفها أو لا يؤمن بأفكارها.
ومنذ اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء نهاية العام 2014، اتخذ الحوثيون خطوات ووسائل متعددة لفرض فكرهم المتطرف على المجتمع، وجعلوا من المساجد منابر ومراكز رئيسية لنشر مذهبهم، وإلغاء المعتقدات الأخرى.
- إلغاء التنوع
منذ قرابة الشهر، تفاجأ المصلون، وهم يتوافدون لأداء صلاة العصر في مسجد غرب أمانة العاصمة، بمجموعة من المنتسبين لمليشيا الحوثي يفرزون الكتب الدينية المتواجدة على رفوف الجامع، ويضعونها في صناديق للشروع في مصادرتها.
حاول المصلون منع العناصر من مصادرة الكتب، والاستفسار عن سبب تلك الإجراءات الاستفزازية، إلا أنهم ردوا بأنهم ينفذون توجيهات الأوقاف، باعتبار هذه الكتب تحمل أفكارًا مظللة ومغلوطة، وتزيف وعي الناس، وفيها تحريف للدين.
التصرفات غير المبررة جعلت الستيني "عبدالله" ورواد المسجد يشعرون بالدهشة من محاولة الحوثيين طمس كل الاختلافات القائمة في المجتمع، وفرض أفكارهم على الجميع، على الرغم من ادعائهم الانفتاح وعدم التعصب.
يقول عبدالله - الذي ينتمي للمذهب الزيدي - إن الناس عاشوا عقودًا طويلة في صنعاء بتعايش، وكان الزيدي يصلي بالشافعي، والشافعي يصلي بالزيدي، ولم يكن أحد يعمل على إلغاء الآخر، إلا أن الحوثيين لا يتقبلون هذا التنوع، ويحاولون تحويل الجميع إلى حوثيين.
إمام الجامع ذاته يؤكد الحادثة، ويقول إن الكتب التي أخذتها عناصر الحوثي من الجامع تمّت مصادرتها، بحجة أنها تروج للفكر الداعشي والوهابي، ولا يجب أن تبقى في المساجد حتى لا يتأثر الناس بها.
ويضيف أن الكتب تم تعويضها بملازم حسين بدر الدين الحوثي، زعيم المليشيا السابق، وطُلب منه إلقاء دروس منها كل يوم بين صلاتي المغرب والعشاء.
- فكر هش
لم تكن الحادثة وليدة اللحظة، وتكررت الإجراءات طوال السنوات الماضية، حيث صادرت المليشيات الحوثية عشرات المكتبات من المساجد في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، لاسيما في أمانة العاصمة ومحافظتي إب وذمار.
وحوّل الحوثيون المساجد إلى مراكز دعائية للمذهب الشيعي، من خلال تنظيم ما يسمى بالدورات الثقافية، والمراكز الصيفية، وإذاعة خطابات عبدالملك بدر الدين الحوثي الأسبوعية عبر مكبرات الصوت.
ونظرًا لأن المليشيا تعتمد في فكرها على الخرافة والتجهيل، ترى في الكتب التي تحمل أفكارًا مخالفة عدوًا لمعتقداتها، ومصدر خطر يدحض ما تناضل لأجله من قيم في نفوس العامة.
ويرجع الداعية عبدالرقيب نعمان حرب مليشيا الحوثي على الكتب الدينية التي تحمل الأفكار المخالفة، إلى أنها لا تملك الحجة القوية القادرة على الصمود ومواجهة الفكر بالفكر، وتقوم دعوتها على التسلق الديني للوصول إلى الحكم، والتسلط على رقاب الناس، ولهذا تركز على خرافة الولاية والخمس، والمصالح الدنيوية.
ويؤكد نعمان أن الفكر الهش جعل دخول السلاح إلى صنعاء والمحافظات الخاضعة للحوثيين وحمله، أسهل بكثير من دخول الكتب الدينية والفكرية والسياسية وحتى الأدبية وتداولها.
- انتهاكات متواصلة
تتنوع الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الحوثي ضد المساجد، حيث شنت منذ الأيام الأولى لدخولها صنعاء والمحافظات الشمالية حربًا طائفية، بدأت باعتقال أئمة المساجد أو قتلهم وتغيير الخطباء بموالين لهم، وصولًا إلى تفجير المساجد ومراكز التحفيظ أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية وبؤر لنشر أفكارها.
وبحسب تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية، فقد طالت الانتهاكات مئات الجوامع ودور العبادة، وارتكبت المليشيا جرائم جسيمة ضد رجال الدين والدعاة والقائمين على المساجد.
وخلال السنوات الأولى لدخول الحوثيين صنعاء والمحافظات الشمالية، اختطفوا 150 من الأئمة والخطباء، وانتهكوا حرمة 750 مسجدًا من خلال التفجير والقصف بالسلاح الثقيل أو نهب المحتويات وتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومجالس لتعاطي القات، بحسب برنامج التواصل مع علماء اليمن.
وارتفعت هذه الانتهاكات لتصل إلى 4560 حالة، طالت المساجد ودور العبادة ورجال الدين في 14 محافظة، منها 103 حالات تفجير وتفخيخ، و201 حالة قصف مباشر، و52 حالة إحراق، علاوة على 423 مسجدًا حولتها المليشيا إلى ثكنات عسكرية خلال الفترة من يناير 2015 حتى يونيو 2025، كما تؤكد الشبكة اليمنية للحقوق والحريات.
وأوضح التقرير، الذي حمل عنوان "غريزة المليشيات الحوثية في تفجير المساجد ودور القرآن وقتل رجال الدين"، تورط المليشيات الحوثية بـ277 حالة قتل لخطباء وأئمة المساجد ورجال الدين ومصلين، منها 72 حالة قتل نتيجة الإطلاق المباشر، و19 حالة قتل بالقصف العشوائي، و28 حالة قتل باستخدام القوة المفرطة والضرب.
وبحسب التقرير، اختطفت المليشيا 386 من أئمة وخطباء المساجد، وارتكبت 73 حالة تعذيب جسدي ونفسي، ماتت منها 9 حالات تحت التعذيب.
- إرهاب عقائدي
على الرغم من مرور أكثر من 10 سنوات من الحرب على المساجد، ما يزال الحوثيون يبتكرون أساليب جديدة لتشديد القبضة عليها، ويخترعون الحجج والمبررات لاستهدافها والقائمين عليها، ولعل حادثة قتل الشيخ صالح حنتوس من أبرز الأحداث التي وقعت مؤخرًا، وتركت صدى واستنكارًا واسعًا في أوساط اليمنيين في مختلف المحافظات.
يقول الداعية نعمان إن جرائم الحوثيين تجاه المساجد والقائمين عليها، تظهر بُعدهم العقائدي والفكري المتزمت، الذي يقوم على الإكراه والعنف، ولا يخاطب العقل والروح.
ويرى نعمان أن الاستقطاب الديني والمذهبي يقوم على الإقناع والحوار والحجة، وهذا ما لا يمتلكه الحوثيون، ولهذا يواجهون صعوبة وعدم قبول عند أغلب أبناء الشعب اليمني.
تُقابل ممارسات مليشيا الحوثي تجاه المساجد بالغربة والاستياء، ولا تزيدهم الإجراءات التي تهدف إلى الاستفراد بكل شيء إلا بعدًا عن الناس، وحشر أنفسهم في زاوية بعيدة عن بقية الفئات.