تقارير
ثلاثة عقود من الوحدة اليمنية.. اقتصاد مشوّه بفعل الحروب والفساد
وُلد اقتصاد دولة الوحدة، في الثاني والعشرين من مايو ألف وتسعمائة وتسعين، مثقلاُ بتحديات كبيرة، حدّت من نموّه المطلوب.
الوحدة الاندماجية جرت دون دراسة التحدِّيات الاقتصادية، أو حتى وضع سيناريوهات لما ستؤول إليه، خاصة أن شطري البلاد يعمل كل منهما بنظام اقتصادي مختلف، ففي الشمال كان بنظام السوق الحُر، وفي الجنوب باقتصاد مركزي.
عدم مراعاة هذا الاختلاف تسبب في حدوث مشكلات اقتصادية كالركود والتضخّم إلى جانب ارتفاع الدِّيون الخارجية، التي كانت على الجنوب، والمقدرة بنحو أحد عشر مليار دولار.
كل هذه التحدِّيات تناسلت منها معضلات اقتصادية أخرى كالبطالة، التي نتجت عن الازدواجية في أجهزة الدولة، وظهور فائض من الموظفين.
هذه المشاكل لم يوضع لها حل في حينها، ورُحِلت كغيرها من المشاكل، وفي نهاية المطاف وُلّدت الاحتقان، وباتت الدولة الجديدة تتحمل كل تلك التبعات؛ كونها لم تعالج بالصورة الحقيقية.
في ظل تلك التحدِّيات اتجهت بعض القوى للمطالبة بفك الارتباط، حتى وصلت الأوضاع إلى مواجهة عسكرية، عُرفت بحرب "صيف أربعة وتسعين"، وهي الأخرى كان ذات كلفة دفعها الاقتصاد الهش.
بالرغم من أن اقتصاد الوحدة وُلد في زمن طفرة النفط، إذ وصل الإنتاج اليومي -خلال العشرين سنة الأولى من عمر الوحدة- إلى ما يزيد عن أربعمائة ألف برميل، إلا أن ذلك لم يشفع للدولة الجديدة في صناعة تنمية حقيقية.
كان لسوء الإدارة دوره في إجهاض الاقتصاد، وعدم الاستفادة من ثروات البلاد، وفي ظل ذلك دخلت البلاد في حروب مع التنظيمات الإرهابية إلى جانب حروب صعدة الست مع المتمردين الحوثيين، ودفعت الخزينة العامة كلفة باهظة.
في العام ألفين وثمانية، عادت الأصوات المطالبة بفك الارتباط، وظهر الحراك الجنوبي، وتواصل التدهور الاقتصادي، ليكون 2011 نقطة تحول، إذ خرج الشباب للمطالبة بالتغيير في ظل غياب الوظائف، وانعدام فرص العمل، لتدخل البلاد في تسوية سياسية، جرى معها حوار وطني شامل، نجم عنه مخرجات، قال عنها مراقبون إنها كفيلة بإعادة الوحدة إلى مسارها الصحيح، ومعالجة كافة الاختلالات.
هذا الحلم لم يكتمل، إذ استغلت مليشيا الحوثي انقسام القوى السياسية، وتشظي الجيش لتنقلب على مؤسسات الدولة بقوة السلاح.
هنا أضحت موارد البلاد تتقاسمها المليشيات شمالا وجنوبا، إذ نهبت مليشيا الموارد لصالح قادتها، وخلال أقل من عامين سحبت احتياطي البنك المركزي في الخارج، المقدرة بنحو خمسة مليارات دولار، إلى جانب ودائع البنوك المحلية في خزينة المركزي بصنعاء.
الخطأ عادة ما يرافق الحكومة، فهي غادرت صنعاء، وتركت المركز المالي تحت تصرف المليشيا، بما في ذلك قرار البنك المركزي، الذي نقلته إلى عدن بعد فوات الأوان.
حوّلت مليشيا الحوثي حياة الناس إلى جحيم، إذ أوقفت رواتب موظفي الدولة، وتاجرت بكافة الخدمات في السوق السوداء، ومعها غابت الحكومة في الدفاع عن المال العام، بل إنها هي الأخرى فتحت حسابات للمؤسسات الإيرادية خارج البنك المركزي، وعجزت عن الاستفادة من منافذها البرية والبحرية والجوية، التي تحوّلت إلى ثكنات عسكرية لصالح تحالف الرياض وأبوظبي.
بعد سنوات من توقُّف إنتاج النفط والغاز بفعل التحالف، تمكَّنت الحكومة من تشغيل بعض الحقول النفطية بواقع إنتاج يومي يقدَّر بنحو ستين ألف برميل، إلا أن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ استهدفت مليشيا الحوثي موانئ التصدير؛ ليتوقف معها الإنتاج، وباتت الحكومة في وضع حرج تغيب معه مصادر النقد الأجنبي، ما تسبب في انهيار العملة الوطنية إلى مستويات قياسية.
كل تلك التحدِّيات زادت من أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل، ودخلت البلاد في أزمة إنسانية هي الأسوأ على مستوى العالم.