تقارير
سباق بين عسكرة القبائل وتمدد الانتقالي في حضرموت.. هل يؤسس لمواجهة مفتوحة؟
يواصل حلف قبائل حضرموت توسيع جناحه العسكري عبر استحداث ألوية جديدة وقرارات بتعيين قيادات لها، في خطوة تعكس انتقال الحلف من كيان قبلي ذي مطالب حقوقية إلى قوة منظمة ذات بنية عسكرية واضحة، في سعي متواصل للضغط من أجل تنفيذ مطالب خدمية وسياسية أعلن عنها سابقًا، وتحوّطًا من أي تحرك عسكري من الخصوم الآخرين.
تكثفت تحركات الحلف أكثر بعد تحركات مقابلة من المجلس الانتقالي، الذي أرسل من جهته يحيى غالب الشعيبي مشرفًا على حضرموت تحت مسمى "فريق التوجيه والرقابة الرئاسي" التابع للانتقالي.
هذه الخطوة، حسب ناشطين من حضرموت، تحمل دلالات مناطقية لا تخطئها العين، إذ ينظر طيف واسع من أبناء حضرموت إلى إشراف قيادي له انتماء مناطقي معين على أنه انتقاص من خصوصية حضرموت وتاريخها، ويشكك بقدرة أبنائها على إدارتها، ما يثير حساسية لدى النخب المحلية ويطرح علامات استفهام حول مصداقية الانتقالي وقدرته على أن يكون ممثلًا جامعًا للجنوب أكثر منه سلطة مناطقية محدودة.
يجتمع في مشهد حضرموت الراهن خليط معقد من التطلعات والصراعات، فالمجلس الانتقالي يدفع باتجاه ترسيخ سلطته في المحافظة ضمن مشروعه للجنوب، فيما القوى الحضرمية القبلية تتمسك بحقوق حضرموت وتستعد حتى للخيار العسكري دفاعًا عنها، أما السلطة الشرعية الرسمية فتقف على الهامش.
- مهام تنظيمية
يقول القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح: عندما نتحدث عن إرسال الانتقالي فريق التوجيه والرقابة إلى حضرموت، نحن نتحدث عن لجان رقابية، لجان توجيه رئاسي، كُلّفت من المجلس الانتقالي الجنوبي للنزول إلى مختلف المحافظات، وهي مهمة تنظيمية بحتة لا علاقة لها بالمطلق بالمكاتب التنفيذية ولا بالسلطات المحلية ولا بالمحافظ.
وأضاف: أُرسل يحيى غالب الشعيبي إلى حضرموت، كرئيس لجنة توجيه ورقابة رئاسية، مثل ما أُرسل وكُلِّف الأخ علي الكثيري من حضرموت بالإشراف أو بالنزول إلى العاصمة عدن، وكُلِّف الأخ فادي باعوم بالنزول إلى لحج، وهما من حضرموت، وكُلِّف الأخ عبد العزيز الجفري، وهو من شبوة، بالنزول إلى الضالع، وكُلِّف الأخ الخضر السعيدي، وهو من أبين، بالنزول إلى سقطرى، وكُلِّف الأخ عبد الناصر الجعري بالنزول إلى المهرة، وكُلِّف الأخ علي القبلاوي، وهو من شبوة، بالنزول إلى أبين.
وتابع: نحن أمام مهام تنظيمية بحتة، مهمتها تقييم العمل في إطار القيادات المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي، للوقوف على ما يواجهها من مشكلات، وتقييم الأوضاع، وتقييم العلاقة مع المجتمعات المحلية، وبالتالي ترفع تقاريرها للقيادة.
وأوضح: أثناء عملية الاختيار والتوزيع لأعضاء هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي للنزول إلى المحافظات، كان هناك حرص بألا يُكلف أبناء المحافظات بالنزول إلى محافظاتهم حتى لا يظهروا بمظهر الوصي على هذه المحافظات أو يمارسوا لاحقًا عملية وصاية على هذه المحافظات، باعتبارهم هم من يمثلونها في هيئة الرئاسة، لذا كان الاختيار على عملية التوزيع من هيئة الرئاسة من كل محافظة يذهب إلى محافظة أخرى.
وأردف: المجلس الانتقالي الجنوبي عنصر فاعل وتقع عليه مسؤولية المساهمة مع السلطات المحلية باعتباره القوة الوطنية الأكبر، صاحب الحضور الأكبر، وهو من يرفع قضية شعب الجنوب، ويمثل شعب الجنوب، ومن يتحسس معاناته ويدافع عن تطلعاته، وبالتالي هو الأكثر حرصًا على أنه لا بد من تحسين العملة، لا بد من استقرار أسعار العملة.
وزاد: هذه النزولات تهدف إلى هذه الأمور، بمعنى أنه حينما ينزل موفد المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حضرموت يُجري طرح عدد من الأسئلة: ما الذي يمكن أن تقوم به القيادات المحلية؟ ما الذي يمكن أن يُرفع إلى القيادة العليا؟ وكذلك هو الحال ليس في حضرموت فقط، بل في كل المحافظات، وهو الوقوف على الصعوبات، وعلى المشكلات، وتقييم الأوضاع، وتقييم مدى فاعلية القيادات المحلية حتى في المحافظات.
وقال: هذا لا ينفي أيضًا أن تكون هناك لقاءات من باب تقارب وجهات النظر مع القيادات في المحافظات، اللقاءات الودية، اللقاءات التي تحمل طابعًا أخويًا أكثر من كونها طابعًا سياسيًا، بهدف التقارب وليس الوصاية على أحد، أو توجيهه، أو الإشراف عليه، فالمجلس الانتقالي لا يفكر بهذه العقلية، فهو مشروع دولة.
- إرادة ذاتية
يقول الصحفي من حضرموت، صبري بن مخاشن، إن حلف قبائل حضرموت يسعى منذ عام تقريبًا إلى فرض إرادة أبناء حضرموت ورفض فرض إرادات خارجية لمشاريع جديدة.
وأضاف: نحن في حضرموت عانينا منذ 50 عامًا، من فشل دولة الجنوب، ثم دخلنا في فشل دولة الوحدة، ثم لا زلنا الآن ندفع ثمن هذه الحرب، وضاع أبناء حضرموت كما ضاع أبناء اليمن كلهم نتيجة الفكر الشمولي في الستينيات، ثم فكر العائلة، ثم فكر القبيلة، ثم فكر العسكر، ثم فكر القرية، وكل هذه الأفكار هي التي تقودنا من فشل إلى فشل.
وتابع: الآن هناك بعض المشاريع، سواء كانت الطائفية، أو القروية، أو المناطقية، تحاول أن تقودنا إلى فشل آخر وكأنها لا تتعلم.
وأوضح أن حلف قبائل حضرموت يريد أن يكون القرار بيد أبنائها، عبر مؤتمر حضرموت الجامع، ودخل أبناء حضرموت بشكل عام عبر مؤتمر حضرموت الجامع في الشرعية التوافقية الموجودة الآن، ودخلوا في الحكومة، ودخلوا في هيئة التشاور، وتم إقصاؤهم، ومنحت القوى التي تستخدم قوة السلاح من أجل فرض إراداتها، بعيدًا عن إرادة أبناء حضرموت.
وأردف: التجنيد الذي يجري الآن في حضرموت، يأتي وفق البيان الرئاسي الذي صدر في 7 يناير، والذي أكد على أحقية المطالب التي يطالب بها حلف قبائل حضرموت، وكان حق التجنيد من ضمن الحقوق الأربعة التي أكدها.
وزاد: نحن نريد أن نحافظ على الحكومة الشرعية، ولا نريد لهذه الدولة أن تتفكك وتتناحر، ونريد أن نخرج من هذه الحرب، وأن يكون لنا رأي.
وقال: حلف قبائل حضرموت إلى الآن يتعامل مع مجلس القيادة الرئاسي كمؤسسة قائمة، ولكنه يعتبرها غير شرعية لأنها لا تملك الشرعية القانونية.
وأضاف: الحلف يعتبر مجلس القيادة الرئاسي مؤسسة توافقية، والتوافق يعني أنه يجب ألا تُفرض آراء تيارات سياسية أو قيادات سياسية على أبناء مناطق معينة وعلى تيارات أخرى.
وتابع: في التوافق يجب أن يكون هناك احترام للرأي وللرأي الآخر، وأبناء حضرموت اليوم يرون أنه يجب أن يكون هناك نظام جديد، وحل جديد، وهو عبر الحكم الذاتي.
وأردف: يرى أبناء حضرموت أنهم عبر الحكم الذاتي لحضرموت سيكون مخرجًا لليمن بشكل عام، ونحن لا نعتبر المجلس الانتقالي عدوًا لحضرموت وأبناء حضرموت، بل نعتبرهم إخوة وأحبة وجيران، ولكننا نتوجس منهم من بعض التحركات المريبة.
وأشار إلى أن حلف قبائل حضرموت لديه هدف أساسي، وهو إقامة حكم ذاتي في حضرموت بأيدي أبنائها، وكل من يعترض هذا الحكم الذاتي، هو يعترض إرادة أبناء حضرموت.
- تقاسم نفوذ
يقول رئيس تحرير موقع "يمن فيوتشر"، إن المشاريع الموجودة، كما لو أنها تنتمي لما قبل الدولة، كلها ربما تشبه بعضها، إلا أنه ليس هناك طرف يمكن أن يشبه الانقلاب السلالي الإمامي في صنعاء على الإطلاق، مهما اتفقنا أو اختلفنا.
وأضاف: من الواضح أن ما يحدث الآن على الساحة، سواء جنوبًا أو على مستوى اليمن، هو تقاسم نفوذ، والصراع في جزء منه محلي، وفي جزء آخر لا شك أن له طابعًا إقليميًا مدعومًا، ولا يمكن أن نغفل أيضًا تدخلات ما وراء الإقليم عبر الإقليم.
وتابع: ما يحدث في اليمن هو توطيد للأقلمة على النحو الذي أتت به مخرجات الحوار الوطني، بمعنى أننا نشهد بؤرة في حضرموت (الإقليم الشرقي)، وبؤرة في عدن (الإقليم الجنوبي)، وبؤرة في تعز والساحل الغربي (إقليم الجند)، وبؤرة في مأرب (إقليم سبأ)، وإلى جانبهم آزال.
وأردف: هذه البؤر وكأنها فرض لمسار الأقلمة، بطريقة أو بأخرى.
وزاد: نحن شاهدنا ما حدث في حضرموت مؤخرًا، من يونيو الماضي تقريبًا، حيث تم تشكيل اللواء الأول، ومن ثم ثلاثة ألوية في سبتمبر الماضي، بناءً على تحركات حدثت في السابق، حيث شاهدنا لقاء رئيس حلف قبائل حضرموت بالأمير محمد بن سلمان في السعودية، وما سبقه من إعلان التمسك بالحكم الذاتي في حضرموت.
وقال: ما حدث من قبل حلف حضرموت، من إصدار قرارات، وتشكيل هذه الألوية، يطرح تساؤلات: من يدعم هذه التحركات؟ وكيف يتم تسيير هذه المجريات؟ سنجد أن هناك ثقلًا إقليميًا موجودًا.
وأضاف: حضرموت حاليًا تتقاسمها أربعة اتجاهات ربما أساسية: هناك الحلف المدعوم إقليميًا، ومثله أيضًا النخبة في الاتجاه الآخر، وأيضًا المنطقة العسكرية الأولى، وأيضًا درع الوطن، إلى جانب ما يمثله الانتقالي الملتقي مع قوات النخبة في نهاية المطاف.
وتابع: الانتقالي لديه مشروع واضح، أنه يجب أن يصل إلى كافة أراضي الجنوب، وبالتالي هو الممثل الأكبر جنوبًا حتى الآن، فيما يخص مسار قضية الجنوب، لكنه أخفق في قيادة حوار بنّاء مع شركائه في بقية المكونات الجنوبية الأخرى.
وأردف: لا شك أن هدفًا رئيسيًا مما يحدث في حضرموت الآن، هو ضرب مشروع أن يكون هناك جنوبًا واحدًا، وإنما سيكون هناك تقسيم للجنوب بين مشروعين، ومن جهة أخرى قد يلتقي هذا المشروع مع أجندة إقليمية أخرى قديمة ومتجددة، وسوف تظل قائمة.