تقارير

"طوفان الأقصى".. لماذا لا يزال موقف الأنظمة العربية ضعيفا تجاه فلسطين؟

11/10/2023, 07:35:52

منذ سنوات طويلة، تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي على المجال الجوي والشريط الساحلي لمدينة قطاع "غزة"، وتفرض عليها حصارا وقيودا على البضائع المسموح لها بالدخول والخروج عبر معابرها الحدودية، وتمارس بحق أبنائها الكثير من الاعتقالات والقتل والتهجير والتشريد، إلا أنها عصية على الركوع أو الاستسلام.

قبل أيام هبّت "غزة" غاضبة ورافضة لما تتعرض له بأعلى صوت، إذ شنت المقاومة الفلسطينية هجمة عنيفة صوب المناطق المحتلة؛ مسببة للإسرائيليين حالات ذعر وصدمات وخوفا لا حدود له، ليأتي رد الاحتلال الإسرائيلي بلسان بنيامين نتنياهو، الذي قال إن "مشاهد الخراب في غزة هي البداية فقط".

وبين التضامن الشعبي لما يحدث في غزة، وخذلان الموقف العربي، المتحدث بصوت مهترئ ومهزوز، لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تكتظ بمئات المشاهد القاسية والمبكية لأطفال ونساء وعجائز، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مساكنهم، دون اعتبار لأي دواعٍ إنسانية، وسط صمت معيب للحكومات العربية والإقليمية والدولية، بينما أعلن الرئيس الأمريكي موقفه الداعم للاحتلال الإسرائيلي، واكتفى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطوني غريتريش، بقوله إنه قلق جدا.

- مواقف شعبية ورسمية عربية متباينة

يقول الباحث العراقي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، نظير الكندوري: "إن ما تمر به غزة ليس جديدا، فهي طيلة سنوات تعاني من حصار لا إنساني، وأصبحت كأنها في طي النسيان، ولا أحد يتحدث عن معاناة الإنسان الفلسطيني في غزة، الأمر الذي كان لا بد من إيقاف هذه المسألة بحدث قوي وجريء يعيد لفت النظر لمعاناة الفلسطينيين".

وأوضح: "الحادثة شهدت اتجاهين مختلفين في البلدان العربية، اتجاه شعبي وآخر رسمي، وكان هناك تباين واسع وكبير بينهما، أثبتت من خلالها الأنظمة بأنها لا تمثل الشعوب، حيث تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها، بل إن بعض الأنظمة تجرأت على تأييد إسرائيل ضد حماس بشكل معلن، وفي المقابل كان هناك موقف شعبي عربي رائع".

وأضاف: لا نجد أحدا من الشعوب العربية يتحدث ضد نضال الفلسطينيين إلا من قد باع نفسه إلى تلك الأنظمة".

وتابع: "ما حدث منذ أيام أعاد القضية الفلسطينية على الساحة السياسية وبقوة، ليس فقط على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وإنما على مستوى العالم".
وأردف: "سأعاود التذكير بتصريح نتنياهو، حينما قال: سنرد ردا يغيِّر الشرق الأوسط، وأنا أقول إن ما فعلته حركة حماس قد غير فعلا خارطة التوازنات، سواء السياسية أو العسكرية".

وزاد: "موقف الأنظمة العربية ضعيف، ووصل الأمر ببعض الأنظمة إلى أنها تتعذر بموقف السلطة الفلسطينية، التي جميعنا نعلم بأنها سلطة ضعيفة جدا، غير قادرة على اتخاذ قرار، في ظل الاتفاقية التي وقعتها مع إسرائيل، وهي رهينة لدى إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية".

وأشار إلى أن "بعض الأنظمة العربية تقول إذا كان الفلسطيون مطبعين مع إسرائيل، لماذا نحن لا نطبع؟".

واستطرد: "بعض الأنظمة العربية مواقفها رمادية من القضية الفلسطينية، وهي الأفضل، لكن البعض تعمل مع إسرائيل ضد المصلحة الفلسطينية، بل إن هناك من كان لها دور خائن، لا سيما في المعركة الجارية الآن".

وأضاف: "الصحف الإسرائيلية ذكرت أن وزير الاستخبارات المصرية، عباس كامل، كان قد أبلغ نتنياهو بالعملية قبل عشرة أيام، وهذا يعني أن جهده الاستخباراتي يعمل ضد المقاومين الفلسطينيين، وينقل أخبارها إلى إسرائيل، ومثل هذا المستوى من الخيانات لا يوجد سقف آخر ممكن أن تصل إليه هذه الأنظمة".

وتابع: "خطاب الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية، حينما يصرحون، يقولون عملنا نحن كفلسطينيين، نعمل لتوحيد الساحات الفلسطينية، ولم يذكروا دولة أو نظاما،  ربما فقط، طلبوا الدعاء من الشعوب الإسلامية".

وأردف: "الأمر الأكثر أهمية أن البعض من يتصيد بالماء العكر، ويربط بين إيران وبين ما تقوم به حركة المقاومة الفلسطينية حماس، ويعتبرون أنها أحد أذناب إيران وأنها تتحرك وفق أجندة إيرانية، وهذا افتراء كشفته معركة طوفان الأقصى، التي لا تزال جارية حتى الآن".
وزاد: "الشخص المثقف والواعي، العربي والمسلم، يدرك أن عداءه لإيران وأجندتها وحركاتها التوسعية في بلداننا العربية، لا يعني أن يرتمي في أحضان إسرائيل، أو أن ينسى حقوق الفلسطينيين".

- ضربة مزدوجة

يقول الباحث السياسي من "غزة"، الدكتور معاذ العمودي: "إن هذه العملية مثلت عنصر مفاجأة كبيرة للاحتلال الإسرائيلي، من خلال الهجوم الكيفي والكمي والنوعي، الذي حصل على حدود قطاع غزة".

وأضاف: "الهجوم مثل ضربة قوية للأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية في المقدمة، قبل الحديث عن الهجوم والتكتيك العسكري في الميدان، والمقاتلين على الأرض".

وتابع: "الجدار الكبير، الذي وُضع ما بين قطاع غزة والمستوطنات الإسرائيلية، لا يستطيع طائر اجتيازه دون أن تقتله الأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية، ما يعني أن هناك اختراقا استخباراتيا واضحا".

وأردف: "نحن في قطاع غزة نعيش في حالة من المعاناة، منذ سنوات طويلة، وما حدث هو نتيجة تراكمات؛ نتيجة انسداد كافة الأفق السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، لا سيما في ظل حالة الخطر التي حدثت في المنطقة العربية، التي تراكمت بعد اتفاقات التطبيع، التي حصلت بين الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية، بعد أن أراد الإسرائيليون أن يروِّجوا لأسطورة جديدة بأنهم المنقذون للعالم في الطب والتكنلوجيا بعد ترويجهم لأسطورة أنهم الجيش الذي لا يقهر".

وزاد: "العملية مثلت ضربة مزدوجة، حيث مثلت ضربة قوية للأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية من ناحية، ومن ناحية أخرى عطلت مسار التطبيع، الذي تركن عليه بعض الدول المطبعة لكي تحميها اليوم".

وأشار إلى أن "بعض المجموعات القتالية، التي تتخذ شكلا أقل من النظامي، وأكثر من المليشيا، تقاتلهم بكل هذه القوة، وتصل إلى عمق دارهم، سواء من فوق الأرض أو من تحت الأرض، أو حتى من على الأرض".

وبيّن: "الرجال، الذين قاتلوا على الأرض في معركة طوفان الأقصى، لم يحرجوا إسرائيل وحدها، وإنما أحرجوا حتى المطبعين الذين كانوا قد ركنوا على إسرائيل لحمايتهم من إيران، فيما يشاهدونها اليوم، وهي تعاني أشد العذاب، وقياداتها ووحدتها الاستخباراتية تقتل على الأرض".

وقال: "جنود المقاومة الفلسطينية قرروا إعادة البوصلة مجددا  على الأرض، وكسر الأسطورة التي لا تقهر، وهي الجيش الإسرائيلي، وأعادوا السردية مجددا إلى أرض الواقع بأن فلسطين هي قضية أمة".

- "مواقف رسمية مخزية"

يقول المحامي والناشط الحقوقي، عبدالرحمن برمان: "إن المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ظهروا بمظهر مخزي، وأدلوا بتصريحات عنصرية، تدعم قتل الكيان الصهيوني للأطفال، وحصار المدنيين، واحتلال غاشم يجثم على بلد منذ أكثر من سبعين عاما:.

وأضاف: "شعوب العالم اليوم باتت تتضامن مع القضية الفلسطينية، ولم تعد قضية فلسطين غائبة عن وعي الشعوب، وهناك تغير كبير جدا في المزاج، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث كان الكثير من الشعب الأمريكي لا يعرف ما الذي يجري في فلسطين، إلا أن حصار غزة والحروب المتواصلة جعل القضية الفلسطينية تصل إلى غالبية الأمريكيين، وهناك تعاطف كبير جدا، خصوصا من المنظمات الإنسانية وناشطي حقوق الإنسان".

وأشار إلى أن "هناك تضامنا شعبيا ومجتمعيا كبيرا مع القضية الفلسطينية، لكن المواقف الرسمية، مخزية".

وتساءل: "ما الذي يمكن أن نتوقعه من دول إما أنها دول مُستعمرة أو خاضعة، أو أنها دول تمارس الاستعمار، أو ذهبت إلى قارات ودول وأبادت شعوبا بأكملها؟".

وتابع: "لا يمكن لهذه الدول أن تتضامن مع الحق والحرية والمظلومين"؛ وقال: "نحن نرى ونسمع أن المجتمع الغربي قام على الاحتلال والاستعمار، والاغتصاب، تدمير البلدان، وله تاريخ أسود في كل بلدان العالم، في إفريقيا وآسيا، وفي العالم العربي، وفي أمريكا الجنوبية، وأستراليا وغيرها".

وأردف: "نحن نتحدث اليوم عن ما تمارسه إسرائيل في القرن الحادي والعشرين، في ظل وجود عصبة الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وإعلام يصور، بعد أن أصبح العالم في كل مكان لديه حقوق في البيئة، بينما الفلسطيني لا يجد حقه في الماء والدواء والطعام والأمان، وحقه في المسكن، الذي يدمر بين الفينة والأخرى".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.