تقارير
لا استشارة طبية ولا حالة مرضية.. المهدئات طريق إلى الهاوية
في ظل الضغوطات اليومية، التي يواجهها العديد من الأشخاص في حياتهم العملية والاجتماعية، أصبح التوجّه نحو تناول المهدّئات ومواد مريحة للأعصاب ظاهرة متزايدة، لكن ما يزيد من القلق هو لجوء البعض إلى هذه المهدئات دون استشارة طبية، أو وجود حالة مرضية حقيقية تتطلب استخدامها.
وفي كثير من الأحيان، يعتقد الأفراد أن هذه الأدوية مجرد حلول سريعة للتخفيف من التوتر والقلق اليومي، ويغفلون عن الآثار الجانبية الخطيرة، التي قد تترتب على استخدامها المفرط أو العشوائي.
من الجدير بالذكر أن تناول المهدئات دون توجيه طبي قد يؤدي إلى تطوّر مشكلات صحيّة جديدة، أو تفاقم الحالة النفسية، التي يعاني منها الشخص، إضافة إلى ذلك قد يصبح الشخص أكثر عرضة للإدمان على هذه الأدوية، ما يعقّد العلاج، ويزيد من المخاطر الصحية المرتبطة بها.
سياف علي (28 عاما) يقول: "كنت من الأشخاص الذين يفضلون تجنّب المستشفيات قدر الإمكان، لذلك اعتدت على التعامل مع الأمراض البسيطة في المنزل، وكنت أجد في المهدئات ملاذي الآمن".
يضيف: "في بداية الأمر، كانت المهدئات تساهم بشكل كبير في تخفيف آلامي، كنت أشعر بعدها وكأنني ولدت من جديد، مع مرور الوقت بدأت اعتمد عليها بشكل كبير حتى إني لم أعد استمتع بالقات إلا بعد تناول المهدّئ، وصار الخمول يدفعني إلى البحث عنها".
يوضح سياف أن الجرعة، التي كان يتناولها في البداية، لم تعد تكفي، وبدأ يحتاج إلى كميات أكبر وأقوى للحصول على نفس التأثير نفسه، حتى وصل الأمر به إلى أنه اضطر لاستخدم إبر مسكِّنة قوية عند المرض؛ لأن المهدئات لم تعد تنفع، لكن النتيجة كانت بالنسبة له كارثية.
يتابع حديثه: "اكتشفت أنني أعاني من مشاكل في الكلى بعد أن تم نقلي إلى المستشفى؛ نتيجة قصور حاد في وظائف الكلى".
ويحكي بندم: "المهدئات كانت تبدو لي حلا سهلا وسريعا؛ لكنها في الحقيقة كالسراب الذي يبتعد كلما اقتربنا منه".
- تحذيرات الأطباء
الدكتور مختار التميمي -أخصائي طب المجتمع- حذّر (في حديثه لـ"بلقيس") من الانتشار المتزايد لظاهرة تعاطي المهدّئات دون وصفة طبية، خاصة في محافظة تعز.
وأكد أن "هذه العادة تهدد حياة المواطنين وتعرضهم لمخاطر صحية جسيمة".
وأوضح التميمي أن "الأسباب، وراء اللجوء إلى المهدئات، متعددة، منها الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تدفع الكثيرين إلى شراء الأدوية دون استشارة طبية لتجنب التكاليف، وانتشار ظاهرة الإدمان على بعض المهدئات، وقلة الوعي بمخاطر تعاطي الأدوية دون استشارة طبية، وسهولة الحصول عليها في الصيدليات والبقالات".
وحذّر التميمي من أن "تعاطي المهدئات دون استشارة طبية يؤدي إلى العديد من المضاعفات الخطيرة، مثل الإدمان، والتفاعلات الدوائية الضارة، وظهور عيوب خلقية عند الحوامل، وفشل الكلى، وقرح المعدة، وحدوث سيولة في الدم ونزيف للذين يعانون من نقص الصفائح الدموية، وتفاقم الأمراض المزمنة، وغيرها من المضاعفات".
وشدد التميمي على "أهمية استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء، مهما كان بسيطاً، لتحديد التشخيص الصحيح، ووصف العلاج المناسب"، داعياً الجهات المعنية إلى تشديد الرقابة على بيع الأدوية، ومنع بيع المهدئات دون وصفة طبية، وتنفيذ حملات توعية واسعة للمواطنين بأخطار تعاطي الأدوية بشكل عشوائي.
- المهدئات تأثيرات نفسية وجسدية
ظاهرة تناول الأدوية المهدئة بدون وصفة طبية أو إشراف مهني، سواء كانت على شكل حبوب أو مكملات غذائية، باتت تؤرّق العديد من المتخصصين في مجالات الصحة العامة، وعلم النفس.
حيث حذّر الدكتور جمال فرويز -خبير الطب النفسي- من الزيادة المقلقة في حالات الإدمان على المهدئات دون وصفة طبية، وأكد فرويز أن هذا الأمر يمثل خطورة كبيرة على الصحة النفسية والجسدية للمواطنين، حيث يؤدي إلى العديد من الآثار الجانبية السلبية.
وأوضح فرويز أن العديد من الأشخاص يلجأون إلى تناول المهدئات دون استشارة طبية للتخفيف من التوتر والقلق، ولكنهم سرعان ما يصبحون مدمنين عليها، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم الصحية والنفسية".
وأشار إلى أن "هذه الأدوية تؤثر سلباً على وظائف الكبد والقلب والدماغ، وتؤدي إلى صعوبات في التركيز والانتباه، فضلاً عن مشاكل في الذاكرة".
وأضاف الدكتور فرويز أن "الإقلاع عن تناول هذه الأدوية يمثل تحدياً كبيراً، حيث يتطلب تدخلاً طبيا متخصصا لمساعدة المدمنين على التخلص من الاعتماد عليها".
ونصح فرويز بضرورة استشارة الطبيب النفسي قبل تناول أي نوع من المهدئات، مؤكدا أن "هناك العديد من العلاجات البديلة الفعالة للقلق والتوتر دون اللجوء إلى الأدوية".
- الفساد والرقابة
يمثل الفساد المستشري في قطاع الصحة أحد الأسباب الرئيسية وراء تناول المهدئات دون استشارة الطبيب، حيث أن تحوّل مهنة الطب إلى تجارة، وعدم وجود رقابة كافية على ممارسات الأطباء والصيادلة، ساهم في تفاقم الأزمة، -حد قول أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، الدكتور ياسر الصلوي.
وأضاف الصلوي لـ"بلقيس": "بعض الأطباء يصفون أدوية غير ضرورية للمرضى بهدف تحقيق أرباح مادية، مما يؤدي إلى زيادة استهلاك الأدوية وظهور مقاومة للمضادات الحيوية".
وأوضح: "الأسباب الكامنة وراء اللجوء المتزايد إلى تناول المهدئات دون استشارة طبية، تعكس مجموعة من التحديات الإداجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع".
وتابع الصلوي: "ارتفاع تكاليف العلاج، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، يدفع الكثيرين إلى شراء الأدوية من الصيدليات أو حتى من البقالات دون وصفة طبية، مما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة"
ويرى الصلوي أن "ضعف الرقابة على الصيدليات، ومنافذ بيع الأدوية، وعدم وجود ثقافة صحية سليمة، ساهم في انتشار هذه الظاهرة، حيث أصبح من السهل الحصول على أي نوع من الأدوية دون الحاجة إلى وصفة طبية".
- بيع المهدئات دون وصفة طبية
في ظل التحدّيات الصحية، التي يواجهها المجتمع، بدأت تظهر مخاوف متزايدة، بشأن بيع الأدوية المهدئة في الصيدليات بشكل غير منظم، وهو ما يثير قلقاً حول تأثير هذه الممارسات على الصحة العامة.
حيث حذّر الدكتور نوفل أنور المقطري -مالك صيدلية كريم المركزية- من الانتشار المقلق للمهدئات في الصيدليات اليمنية بشكل عشوائي، مؤكداً أن هذه الظاهرة تشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة والنفسية للمجتمع.
وأكد المقطري أن "العديد من الصيدليات تقوم ببيع هذه المهدئات دون وصفة طبية، مدفوعةً بدافع الربح المادي، متجاهلةً المخاطر الجسيمة التي تسببها هذه المواد على صحة المواطنين".
وأرجع المقطري أسباب هذه الأزمة إلى غياب الرقابة الفعالة على الصيدليات وشركات الأدوية، وانتشار الفساد، الذي يسمح بدخول هذه المواد المحظورة إلى البلاد، بالإضافة إلى الجشع الذي يدفع بعض الصيدليات إلى بيع هذه المواد الخطرة.
إن اللجوء إلى تناول الأدوية المهدئة بدون استشارة طبية، ودون وجود مرض عضال، يعكس ظاهرة صحية ونفسية معقدة، تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا، ومن المهم مكافحة هذه الظاهرة، وتعزيز الرقابة على بيع الأدوية لضمان صحة وسلامة المواطنين الصحية والنفسية.