تقارير

ما وراء اختيار أحمد بن مبارك رئيساً للحكومة وما الجديد الذي يحمله؟

06/02/2024, 11:32:59

قرار رئاسي صدر، يوم أمس، بتعيين أحمد عوض بن مبارك رئيسا لمجلس الوزراء، خلفا لمعين عبدالملك، الذي عُين بقرار آخر مستشارا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، حيث قضت المادة الأولى من القرار (56) للعام الحالي بتعيين بن مبارك رئيسا للحكومة، فيما قضت المادة الثانية من القرار باستمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقا لقرارات تعيينهم.

مصادر حكومية أكدت، مطلع يناير الفائت، أن مجلس القيادة الرئاسي أجرى نقاشات مكثفة بشأن تعيين رئيس جديد للحكومة، وإجراء تعديلات في بعض الحقائب الوزارية، حيث انحصرت الترشيحات -بحسب المصادر- على ثلاثة أعضاء في الحكومة.

وبحسب مراقبين، فإن المجلس الرئاسي تجنّب تعيين رئيس للحكومة من خارج أعضائها، وهو ما يثير تساؤل الشارع اليمني، وبقية النُّخب السياسية، فما تبعات القرارات الرئاسية الجديدة؟ ولماذا تم اختيار بن مبارك خلفا لمعين؟ وما الذي سيتغيّر في حقب الملفات الوزارية الجديدة؟

- أين المشكلة؟

يقول الباحث السياسي، نبيل البكيري: "إن القرار في توقيت لا يعلم بسره سوى الذي أصدر هذا القرار، ولا ندري ما تداعيات هذا القرار، وخاصة أن البيئة السياسية، التي يفترض أن تكون مهيئة لعمل حكومة، لن تتوفر لا في العهد السابق، ولا في العهد الحالي".

وأضاف: "ربما في المستقبل القريب لن نرى ظرفا سياسياً يساعد على أي عمل، وتبقى الإشكالية في عملية تغيير المناصب بهذه الطريقة، لا تضيف جديداً للمشهد".

وتابع: "ربّما من قبيل التفاؤل نقول إن إطالة أمد رئيس الوزراء الأسبق في مكانه، طوال فترة كانت مليئة بالاضطرابات والإشكاليات، وكان الفساد والفشل هو سيّد الموقف".

وأردف: "لكن ما الذي سيضيفه رئيس الوزراء الجديد؟ هذا السؤال الذي لا نستطيع أن نجيب عليه، ولكن لدينا بعض الملامح فيما يتعلق بالبيئة السياسية بأنها لا تشجع أحدا على النجاح حتى في هذا الظرف، وفي هذه الوضعية السياسية، التي تعيشها اليمن منذ فترة -باعتقادي- حتى لو نزل جبريل من السماء ليشتغل في هذا الوضع لن يقدم شيئاً".

وزاد: "المشكلة في اليمن لا تكمن في شخص معين، المشكلة تكمن في الظرفية السياسية والبيئة السياسية، التي لا تتوافر فيها أدنى مقومات أن يكون هناك قرار سياسي وطني صادر عن إرادة وطنية".

وقال: "القرارات السياسية في هذه المرحلة هي قرارات المتدخلين في الشأن اليمني، وإرادة مسلوبة، وكل قرار سيصدر، أو كل جديد سيظهر على السطح، بقرار جديد هو لا يخضع لإرادة اليمنيين، ولا أعتقد أن المسألة اليمنية تمثل لهم هما مؤرقا وهدفا يسعون من أجله، وحتى لا نحبط أيضاً سننتظر وسنرى ما سيفعل خلال الأيام والشهور القليلة القادمة".

وأضاف: "التفاؤل شيء وواقعنا السياسي في حضيض العمل، ولم تعد هناك عملية سياسية بالأساس اليوم، وهذا التغيير -باعتقادي- لكسر حالة الجمود فيما يتعلق باستمرار نفس الوجوه على نفس المكان، ولا إرادة وطنية في هذا التغيير".

وتابع متسائلا: "المشكلة فيما يتم من تغييرات، على سبيل المثال اليوم، لفت انتباهي في هذا القرار هو 56 للعام 2024، ونحن الآن في الشهر الثاني من هذا العام، وقبل هذا القرار موجود 55 قرارا جمهوريا صادرا، أين هذه القرارات وأين ذهبت، وماذا فعلت؟".

وزاد: "هل المشكلة في إيجاد القرارات أم بإيجاد حتى الحد الأدنى لوجود الدولة؟".

وقال: "المشكلة أننا في الحالة اليمنية اليوم بلا دولة، ما هنالك هي أشبه بسلطة تدير حالة مؤقتة، وهي نوع من شرعنة الواقع السيئ الموجود، حالة انقسام، وتدهور، وفشل سياسي واقتصادي وأمني وعسكري، هناك فشل في كل الاتجاهات".

وأضاف: "التغيير الذي حصل، وخاصة أن الدكتور أحمد -لا شك أنه مؤهل- لكن المسألة لا تقع على التأهيل اليوم، المسألة تقع على الظرفية التي ستشغل فيها الواقع السياسي، الذي أنت تمشي فيه في حقل ألغام، ولا تستطيع أن ترضي طرفا، والانقسام الموجود من أعلى قمة السلطة إلى قاعها حالة مزرية، لا يستطيع أكبر عبقري في السياسة والإدارة أن يشتغل في إطار هذ الواقع السياسي".

وتابع: "هذه الظرفية السياسية المعقدة لا يمكن أن تنتج عملاً جيداً، بمعنى آخر أن المسألة لا تتوقف على شخص مثل الدكتور أحمد عوض بن مبارك، أو أحد آخر سيأتي من خارج هذه التشكيلة؛ لأن الوضعية وصلت إلى درجة من السوء فيما يتعلق بكل أداءات الدولة".

وأردف: "نحن أمام حالة تشتت، هناك أشبه بتكتلات حاكمة، ودويلات شبه مستقلة في الداخل اليمني، دولة في الساحل، دولة مأرب، دولة في تعز، دولة في حضرموت، دولة في المهرة، دولة في سقطرى، نحن أمام حالة انقسام وفشل ذريع في كل الاتجاهات، وكما يقول المثل الصنعاني: ما تنفع المرة الحاذقة في البيت العطل".

- كاريزما القيادة

يقول المحلل السياسي عبدالوهاب العوج: "إن التغيير جاء في وقته، والرجل أنا أعرفه منذ أيام بغداد، وكنا في العراق، وكان يدرس في إدارة الأعمال والاقتصاد، وزميل ورفيق درب عشنا لفترات طويلة، وأعرفه شخصيا عز المعرفة".

وأضاف: "الدكتور أحمد عوض بن مبارك يتمتع بكاريزما القيادة، وقد تدرب في صفوف حزب البعث، واكتسب مهارات لا يمتلكها معين عبدالملك، ولذلك أتوقع منه أن يُفعِّل القوانين والقرارات، وأول هذه الأمور أن يُفّعِّل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أن يفعل اللجنة العليا للمناقصات المزايدات، ألا يقوم بالشراء المباشر للكهرباء، أو للنفط أو لغيره".

وتابع: "من خلال مسيرته الرجل يريد أن ينجح، صحيح أن المعوقات كثيرة، والوضع في اليمن لا يساعد على نجاح القيادات، لكن رغم ذلك المشهد تغير، اللاعب السعودي والإماراتي تغير، هم يريدون الخروج من اليمن بطريقة أو بأخرى، ويجعلون اللاعبين الداخليين يسيطرون كأذرع لهم".

وأردف: "التدخل السعودي والإماراتي موجود في التغيير، طول عمر اليمن وهذا التدخل موجود فيها، منذ ما قبل ثورة 62 وحتى الآن لم ينته التدخل السعودي أو الأمريكي أو غيره، لكن نقول أن يكون هناك وضع لمصلحة اليمن العليا في مقدمة أولويات الحكومة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وأنا متفائل جدا في تعيين الدكتور أحمد عوض بن مبارك، والأيام ستثبت أن لديه كاريزما القيادة وآليات العمل".

وزاد: "نحن نفتقر في قيادات الدولة إلى تنفيذ آليات العمل، وعدم تنفيذها، وعدم البحث عن أعذار وشماعات لنعلقها عليها".

وقال: "معين عبدالملك كثير من اللقاءات معه، وكنا كنقابات أعضاء هيئة تدريس نطرح له مشاكل الجامعات، وكان يعطينا من معصور الكلام، لكنه لا ينفذ شيئاً، ولا يتم تحويل الأمور من الكلام إلى الأعمال".

- مخاطرة بالسمعة

يقول فتحي بن لزرق - رئيس تحرير صحيفة عدن الغد: "لا جدوى من تغيير رئيس الوزراء، أو حتى تغيير كافة الوزراء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها البلاد، وفي ظل حكومة بلا ميزانية وبلا موارد، وربما غير متوحدة الأهداف".

وأضاف: "أي شخص يقبل أن يكون رئيس الوزراء في ظل هذه الظروف - للأسف الشديد - هو لا يخاطر بسمعته السياسية ولكن هو يرمي بنفسه إلى التهلكة؛ كون أنه لا يستطيع أي مسؤول أو قيادي أو اقتصادي أو أكبر كادر في العالم أن يدير حكومة ليس لديها موارد، أو ربما جزء كبير من مواردها المحلية منفلتة، ونفط متوقف في الوقت الحالي، وأسعار الصرف جاوز حدود المعقول، وهذه المؤشرات حتى لو أتينا بأكبر خبير مصرفي أو اقتصادي هو لن يستطيع أن يضيف شيئا".

وتابع: "كان يجب أن يتم قبل تعيين رئيس الوزراء أن تكون هناك إصلاحات اقتصادية، وأن تكون هناك وديعة من قبل دول التحالف، ترفد الاقتصاد حتى بطريقة جزئية".

وأردف: "الدكتور أحمد عوض بن مبارك لن يستطيع بهذه الإصلاحات؛ لسبب بسيط أن الموارد صفر، وأن الحكومة بحاجة إلى موارد كبيرة، إلا إذا كان التحالف التزم له بأنهم سيقومون بتوفير جزء كبير من الموارد، خصوصا إذا وجدنا أن الدولة، خلال الأشهر الماضية، كانت شبه غير قادرة على صرف المرتبات".

وزاد: "التحديات الاقتصادية الموجودة والماشية على الأرض ستفشل أي شخص مهما كانت خبراته، قدراته، حضوره، وعلاقته السياسية؛ لأنه في الأخير الناس تريد خدمات، وتريد رواتب، ولا تريد تنظيرات سياسية".

وقال: "نحن بحاجة أن يكون رئيس الوزراء القادم لديه من الفرص الاقتصادية الكثير، لديه من المواد المالية الكثير، لديه من التسهيلات من قِبل دول التحالف الكثير، لكن إذا جاء واشتغل رئيس الوزراء الحالي بنفس منظومة العمل، ونفس موارد العمل السابق لرئيس الوزراء السابق فإن قضية الفشل قضية محسومة من هذه اللحظة".

تقارير

عودة مساعي السلام في اليمن.. نوايا جادة أم إعادة تدوير الأزمة؟

هل بالإمكان تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية بعد نحو عشر سنوات من جولات الحوار الفاشلة وجهود السلام التي كانت نتيجتها الوحيدة إطالة أمد الحرب وتعقيد فرص السلام وتعطيل الحسم العسكري؟ لعل من الأمور المحيرة في الأزمة اليمنية ذلك النفس الطويل الذي يتمتع به دعاة السلام في اليمن، فدول عظمى، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، تدعو إلى تحقيق السلام في البلاد، وترسل المبعوثين وتعقد اللقاءات لأجل هذا الغرض، رغم أنها جميعا تعلم أن الأزمة اليمنية لم تعد قابلة للحل السياسي، وأنه كلما طال أمد الحرب ازدادت الأوضاع تعقيدا، وازدادت معها العقبات أمام مساعي تحقيق السلام. في 19 نوفمبر الجاري، اختتم المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارته إلى العاصمة العمانية مسقط، التي أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ خليفة علي عيسى الحارثي، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع محمد عبد السلام، مسؤول فريق التفاوض التابع للحوثيين، في إطار الجهود الهادفة إلى دفع عملية السلام واستعراض آخر مستجدات الملف اليمني. بدوره، جدد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هاميش فالكونر، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في 20 نوفمبر الجاري، تأكيد التزام بلاده بدعم جهود السلام في اليمن. - السياق الإقليمي ووهم السلام بدأت مساعي السلام في اليمن منذ ما قبل اندلاع الحرب بسنوات، وتحديدا في صيف 2011، عندما وصل أول مبعوث أممي إلى اليمن، جمال بن عمر، لكن تلك المساعي لم تحقق نتيجة تذكر، وفشلت في احتواء التوترات ومنع اندلاع الحرب، وبعد اندلاعها لم تفلح مختلف المساعي في إجبار الحوثيين على القبول بعملية السلام. وبعد كل سنوات الحرب تلك وما تخللها من مساعٍ لتحقيق السلام باءت جميعها بالفشل، وتعقد الأوضاع محليا وإقليميا، فإنه ما زال هناك من يراهن على تحقيق السلام في اليمن عبر الحوار والحلول السياسية، رغم أن السياق الإقليمي بعد الحرب على قطاع غزة لا يشجع على التسوية السياسية السلمية في اليمن وإنما زادها تعقيدات إضافية إلى تعقيداتها السابقة. فإذا كانت مليشيا الحوثيين ترفض القبول بالسلام في سنوات سابقة، فكيف ستقبل به بعدما أصبحت ترى أن الأمور آلت لمصلحتها، وتعتقد أنها باتت فاعلا إقليميا بعد انخراطها ضمن المحور الإيراني خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووظفت هجماتها الرمزية على الكيان الإسرائيلي لتعزيز وضعها في الداخل اليمني. وبالتزامن مع مساعي السلام في اليمن، ظل السلاح الإيراني يتدفق للحوثيين بلا انقطاع، حتى أصبحت مناطق سيطرتهم بمنزلة قاعدة عسكرية إيرانية متقدمة، تستخدم لتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فضلا عن تهديد بعض دول الجوار، مع توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وفي الوقت الذي يتشكل فيه مزاج إقليمي ودولي ضد إيران ومليشياتها في المنطقة، لكن ما يبدو حتى الآن أن هذا المزاج لا ينعكس بالضرورة على الملف اليمني، وأصبح الحديث عن السلام في اليمن والجهود التي تُبذل في هذا الجانب وكأنها صفقات ضمنية تُمنح للحوثيين بحجة "الحفاظ على التهدئة" أو "ضمان عدم توسع الحرب"، وتحول الملف اليمني من قضية حرب وسلام إلى مساحة للمساومات، وأحيانا إلى ورقة بيد لاعبين إقليميين يفضلون بقاء الوضع معلقا على أن يصل إلى مواجهة مكلفة. وليست مبالغة القول إن جهود السلام في اليمن، الإقليمية والدولية، منحت مليشيا الحوثيين مساحة واسعة للمناورة، فبدلا من أن تُعامل على حقيقتها كمليشيا انقلابية مصنفة إرهابية ومرتبطة بسياسة إيران التخريبية في المنطقة، يعاد تدويرها كطرف سياسي على أمل التفاهم معه، رغم أنها ترفض أي عملية سلام حقيقية تقوم على التنازل المتبادل أو المشاركة الفعلية في الدولة. وفي الواقع، فإن مساعي السلام التي استهلكت الوقت وأجلت الحسم العسكري، كان واضحا أنها رسخت هيمنة الحوثيين على الأرض، ومنحتهم فرصا إضافية لتعزيز قوتهم العسكرية. وكلما طال هذا التراخي، يصبح الحديث عن "حل سياسي" مجرد ترف لغوي لا مكان له في معادلة الصراع. وتكمن المشكلة الرئيسية لدعاة السلام في اليمن في غياب الإرادة والجرأة على التعامل مع الطرف الذي يعطل السلام، ولذلك تبدو تلك الجهود وكأنها تطبيع مع الأمر الواقع، والنتيجة أن مساعي السلام ستظل تدور في الحلقة نفسها: جهود لا تثمر أي نتيجة، وواقع محلي وإقليمي يفضل تأجيل مواجهة الحقيقة. وما لم يُكسر هذا النمط، ستبقى مساعي السلام مجرد عنوان تضليلي لحرب معلقة تستمد أسباب استمرارها من التواطؤ مع الحوثيين أكثر مما تستمده من الوقائع على الأرض. - لماذا التسوية السياسية مستحيلة؟ رغم أن الحرب في اليمن استنزفت الجميع، ولم يعد لدى مختلف الأطراف ما يكفي من الحماس للعودة إلى معارك واسعة كتلك التي كانت في بداية الانقلاب الحوثي وعملية "عاصفة الحزم"، إلا أن هذا الإرهاق العسكري لا يخلق بالضرورة بيئة صالحة للتسوية السياسية. فالحرب التي عجزت عن تمكين أي طرف من تحقيق أهدافه كاملة، لن يعوض فشلها باتفاق سياسي هش، يقوم على قاعدة "لا رابح ولا خاسر"، بينما الوقائع على الأرض تقول العكس، فهناك أطراف حققت مكاسب ميدانية كبيرة أو حصلت عليها عبر التنازلات، وأطراف بلا مكاسب ميدانية تُذكر، وأخرى لا تملك أي شيء أصلا، ولذا كيف يمكن إقناع من لديه مكاسب كبيرة بالتنازل ولو نسبيا لمصلحة أطراف أخرى؟ ومع هندسة التحالف السعودي الإماراتي للوضع في اليمن عسكريا وسياسيا، وتفتيت السلطة الشرعية بين أطراف متنافرة، بقيت السلطة الشرعية بمفهومها القانوني الحلقة الأضعف في معادلة الصراع، يجسد ذلك الانقسامات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبدو عاجزا عن إدارة موقف موحد ضد مليشيا الحوثيين. كما لا يمكن إغفال أن مساعي السلام مكنت الحوثيين من أن يجعلوا كلفة السلام على خصومهم أعلى بكثير من كلفة الحرب، ذلك أنهم أعادوا تعريف أولويات المفاوضات، وحولوا القضية الوطنية إلى ملفات صغرى: فتح طريق هنا، أو صرف رواتب هناك، أو فتح مطار، أو تخفيف حصار ميناء. والعجيب في الأمر أن الأطراف الأخرى ودعاة السلام انساقوا وراء الحوثيين في تجزئة القضية الوطنية، وتغافلوا عن مسألة السلاح والسيطرة وفرض الحوثيين للأمر الواقع. وإذا توفرت إرادة سياسية حقيقية، فإن الحسم العسكري المفضي إلى سلام دائم قد يتحقق خلال أسابيع قليلة بكلفة معروفة ومحدودة نسبيا، بينما السلام القائم على التنازلات المتتابعة سيظل يراوح مكانه لسنوات، ويغذي حالة اللاحرب واللاسلم، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددا في معركة قد تكون أشد كلفة من خوض الحسم في اللحظة الراهنة، وهي معركة قادمة لا محالة، وسيبادر الحوثيون إلى إشعالها بعد أن يراكموا مزيدا من القوة العسكرية حتى يروا أنها أصبحت كافية لخوض معركة واسعة. هذا السيناريو الأكثر احتمالا يؤكد أن أكبر عقبة أمام السلام في اليمن تتمثل في بنية مليشيا الحوثيين نفسها، فهي تحمل مشروعا عقائديا مغلقا، طائفيا وسلاليا، يرفض وجود الآخرين أصلا، فضلا عن مشاركتهم في السلطة، ولذلك فهي لا تريد تسوية دائمة، وإنما هدنة مقنعة تسمح لها بتعزيز قواتها، تمهيدا لجولة قادمة من الحرب، ستكون أشد عنفا من سابقاتها، وستجبر الآخرين على الانخراط في المعركة الحاسمة. الخلاصة، قبل أي حديث عن تسوية سياسية في اليمن، يجب الاعتراف أولا بأن "لحظة النضج" التي تجبر مختلف الأطراف على التفكير بالحل السلمي والقبول به لم تولد بعد، وهذه اللحظة لا تأتي إلا عندما تتغير معادلة القوة على الأرض، فيتراجع الطرف القوي ويصعد الطرف الضعيف، وتبدأ مرحلة الألم المتبادل التي تجعل الجميع يدرك أن الحسم مستحيل. لكن في ظل الوضع الراهن في اليمن، لا توجد مؤشرات على أن أي طرف وصل إلى هذا الإدراك، ولا توجد بيئة تدفع نحو حل وسط أو استعداد حقيقي للخروج من دائرة الحرب، فالجيوش والمليشيات متقابلة في خطوط التماس، والفاعلون الأجانب لا يرغبون في الحسم العسكري وليسوا جادين بشأن السلام الذي لا يمكن أن يتحقق تحت فوهات البنادق.

تقارير

لم يبقَ له شيء.. مأساة مستثمر يمني يتجرد ظلمًا من الممتلكات والهوية في السعودية

بعد سنوات طويلة من العمل والغربة، وادخار رأس مال لافتتاح مشروعه الخاص، وجد المغترب في المملكة العربية السعودية بليغ محمد صالح المقرمي نفسه ضحية لظلم النافذين الذين لم يتحملوا رؤيته يسطر قصة نجاحه بعرق الجبين وكفاح السنين، فحاكوا حوله المؤامرات ليسلبوه كل ما حققه من إنجاز.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.