تقارير

مشروع الانفصال.. هل ستسمح السعودية والإمارات بقيام دولة قوية ومزدهرة في جنوب اليمن؟

04/10/2020, 17:32:00
المصدر : عبد السلام قائد - خاص

يرى بعض المطالبين بانفصال جنوب اليمن أن الدعم الإماراتي والسعودي لمشروع الانفصال يمثل فرصة تاريخية لتحقيق ذلك المشروع، وبالتالي فهم يتغاضون عن الجرائم التي ترتكبها الدولتان بحق المدنيين ويتغاضون عن انتهاكاتهما للسيادة الوطنية، بل فبعضهم تحولوا إلى أدوات تسيرها الدولتان لتمرير مشروعهما التخريبي والتدميري لليمن، في واحدة من أسوأ ظواهر الإفلاس السياسي التي لم يسبق أن حدث مثلها في اليمن عبر التاريخ.

وإذا افترضنا أن مشروع انفصال جنوب اليمن سيسفر عنه قيام دولة في الجنوب قوية ومزدهرة ومتحررة من الوصاية السعودية الإماراتية، فهل ستدعم الدولتان مشروع الانفصال؟ وإذا افترضنا أن استمرار الوحدة اليمنية سيسفر عنه بقاء البلد ضعيفا ممزقا منهارا، فهل كانت السعودية والإمارات ستعملان على تفكيك وتمزيق وحدة البلاد؟ 

مثل هذه التساؤلات والإجابة عليها بتجرد تكشف حقيقة الأهداف السعودية والإماراتية في اليمن، ذلك أن استقطاع السعودية لأراض يمنية فيما عرف بمعاهدة الطائف، عام 1934، بعد حرب غامضة مع الإمام يحيى حميد الدين، وفي لحظة ضعف كانت تشهدها البلاد، أغراها اليوم لتكرار ذات السيناريو، من خلال العمل على إضعاف اليمن، ثم السيطرة على بعض أراضيه، ومحاولة خلق واقع سياسي وعسكري يفضي إلى تكرار معاهدة الطائف، الموقعة بين الإمام يحيى حميد الدين وآل سعود.

ترمومتر الوحدة

شكلت قضية الوحدة اليمنية أبرز الملفات الساخنة في علاقة اليمن بجواره الخليجي، وظلت هذه القضية بمثابة شوكة الميزان التي على ضوئها يتم التعامل مع مختلف الأزمات اليمنية، والبوصلة التي يتم على أساسها حرف مختلف القضايا الشائكة أو ذات الاهتمام المشترك. 

ورغم التحولات الحاصلة في مختلف الأزمات التي عصفت باليمن والمنطقة خلال العقود الأخيرة، إلا أن تلك التحولات لم تؤثر على الموقف السعودي، تحديدا، المناهض للوحدة اليمنية في مختلف محطاتها، حيث ظلت السعودية تعرقل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية منذ أول خطوة للسعي لتحقيقها وحتى عشية الإعلان عنها في 22 مايو 1990.

استمرت السعودية في عدائها للوحدة اليمنية بعد ذلك، حيث اتخذت موقفا قويا مؤيدا لانفصال جنوب اليمن أثناء حرب صيف 1994 الأهلية، وها هي تعاود الكرة للعمل على تمرير مشروع الانفصال عبر حليفتها الإمارات، بينما تقوم هي بدور تخدير السلطة الشرعية من خلال الحوارات والاتفاقيات وإطلاق التصريحات بالتأكيد على دعم الوحدة اليمنية، وغير ذلك من المناورات السياسية وانتهاج سياسة استهلاك الوقت في تعاملها مع الأزمة اليمنية منذ تدخلها العسكري في البلاد في مارس 2015 وحتى اليوم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا كل هذه الاستماتة السعودية الإماراتية من أجل إبقاء اليمن في حالة تفكك وتمزق وضعف؟ وهل ستقبل الدولتان بقيام دولة قوية ومزدهرة في جنوب اليمن في حال تم الانفصال؟ يدرك رافعو شعار الانفصال، واليمنيون جميعا، أن الدعم السعودي الإماراتي للانفصال ليس حبا في جنوب اليمن ولكن كراهية لليمن ككل شماله وجنوبه، بل فالكراهية لجنوب اليمن أكثر من الكراهية لشماله كما سنوضح لاحقا، ولو أن الانفصال كان سينتج عنه قيام دولة قوية ومزدهرة في الجنوب، والوحدة ستكون سببا في ضعف البلاد، لكانت السعودية والإمارات من أشد الداعمين للوحدة اليمنية ومن أبرز الرافضين لمشروع الانفصال.


وهذا يندرج ضمن السياسة السعودية في العالم العربي بشكل عام وليس في اليمن فقط، حيث سبق للسعودية أن دعمت تفكيك الوحدة المصرية السورية في عهد جمال عبد الناصر، واتخذت موقفا عدائيا مبكرا من الوحدة العربية في زمن المد القومي العربي بعد ثورات التحرر العربية من الاحتلال الأجنبي خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

مساعي دعم الانفصال

المتأمل في طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للأزمة والحرب في اليمن، منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015 وحتى اليوم، سيجد أنها كانت مدروسة منذ البداية، حيث تعمدت الدولتان إطالة أمد الحرب التي كان بالإمكان حسمها في بدايتها، لكن بدا للدولتين أن الحسم المبكر للحرب لن يمكنهما من العمل على تمزيق وإضعاف الدولة اليمنية والمجتمع اليمني ككل وتحقيق أجندتهما في البلاد.


ولذا، كان لا بد من أن تتوقف المعارك الحاسمة في جبهات معينة، وبدأت الدولتان بشن هجمات جوية على مواقع تتبع الجيش الوطني تصفها بـ"الخاطئة" لمنع تقدمه، وبعض تلك الهجمات تمت في أماكن بعيدة جدا عن جبهات الحرب، مثل الهجمة التي استهدفت ضباطا كبارا في الجيش الوطني بمنطقة العبر في حضرموت، كانوا يناقشون خططا عسكرية لتأهيل وبناء جيش وطني احترافي وقوي، وكل تلك الجرائم التي ارتكبت بحق الجيش الوطني ووُصفت بـ"الخاطئة"، تأتي في إطار المخاوف من الحسم المبكر للحرب لصالح السلطة الشرعية، ولذا عملت الدولتان على إطالة أمد الحرب حتى تكتمل هندسة مشروع الانفصال.


بدأت هندسة مشروع الانفصال عسكريا قبل هندسته سياسيا، فالمعارك الحاسمة توقفت بالقرب من الحدودية الشطرية قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، ودُمّرت كل المعسكرات التابعة لعلي صالح والحوثيين المتمركزة في المحافظات الجنوبية، وأيضا الواقعة بالقرب من الحدود الشطرية (قبل عام 1990)، كما تم تدمير جميع مخازن الأسلحة الثقيلة التي تهدد المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد. والمتأمل في سير المعارك منذ بدايتها، وطريقة أداء التحالف السعودي الإماراتي خلالها، يتضح له أنها معارك تهدف لتحقيق انفصال جنوب اليمن وليس تحرير اليمن من الحوثيين والنفوذ الإيراني بحسب مبررات التحالف للتدخل العسكري في البلاد.


بعد ذلك بدأت الدولتان، السعودية والإمارات، بتشكيل مليشيات انفصالية بمسميات مناطقية، لتمزيق جنوب اليمن مناطقيا فيما بعد، ودعمها بالمال والسلاح، والإشراف على تدريبها. وبعد أن تم تثبيت وجودها على الأرض، بدأ التحالف بهندسة مشروع الانفصال سياسيا من خلال تشكيل جناح سياسي للمليشيات الانفصالية باسم "المجلس الانتقالي الجنوبي"، واختار التحالف جميع قادة هذا "المجلس" حسب رغبته، وفرضهم بالقوة، رغم أنهم لا يحظون بالقبول حتى في أوساط الفئات المطالبة بالانفصال بسبب عنصريتهم المناطقية.

 أحقاد تاريخية

ظلت العلاقة اليمنية السعودية هشة وتنقصها الثقة منذ قيام الدولة السعودية الثالثة، وشكلت الأحقاد التاريخية التي تكنها السعودية لجارتها الجنوبية، اليمن، العامل الرئيسي في رسم خطوط العلاقة بين البلدين الجارين، من علاماتها ما تتناقله الأوساط السياسية بأن عبد العزيز آل سعود كان يوصي أبناءه بالعمل على جعل اليمن في حالة من التمزق والضعف، حتى لا يشكل خطرا على مملكة آل سعود حديثة النشأة. وبصرف النظر عن مدى صحة ذلك، إلا أن الواقع يؤكد بأن المملكة ظلت بالفعل تعمل على إضعاف اليمن وتمزيقه من خلال نفوذها الطاغي داخل البلاد الذي صنعه المال السياسي.

وهنا يمكننا القول إن دعم السعودية لمشروع انفصال جنوب اليمن عبر حليفتها دولة الإمارات يأتي في إطار سياسة تمزيق وإضعاف البلاد، علما بأن جنوب اليمن مستهدف بالإضعاف والتفكيك من قبل دول الجوار أكثر من شمال اليمن، ذلك لأن جنوب اليمن، قبل وحدة 1990، كان يشكل مصدر قلق دائم لجواره الخليجي، بعد انخراطه ضمن المعسكر الشرقي الشيوعي، والتهديد باكتساح دول الخليج التي كان يصفها حكام عدن بـ"الرجعية"، وتنصيب حكومات يصفونها بـ"التقدمية" هناك، أي اشتراكية.

ثم ازدادت المخاوف بعد دعم نظام عدن لجبهة تحرير إقليم ظفار الماركسية في سلطنة عمان، وتأثرت تلك الجبهة بالخطاب السياسي لحكام عدن، حيث غيرت اسمها إلى "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل". ونتيجة للدعم الذي تلقته الجبهة من حكام عدن، فإنها تمكنت من السيطرة على 80% من مساحة إقليم ظفار، ولم تستطع السلطات العمانية هزيمتها إلا بعد تلقيها دعما عسكريا من إيران والأردن. وبنفس الوقت، اندلعت حرب بين جيش جنوب اليمن والجيش السعودي في الوديعة، في نوفمبر 1969، وفي البداية تمكن جيش جنوب اليمن من التوغل داخل الأراضي السعودية، قبل أن يتراجع تحت كثافة الضربات الجوية للجيش السعودي، وحدوث انقسامات في أوساطه بسبب الخلافات بين حكام عدن، وكل تلك التطورات، دعم نظام عدن لجبهة ظفار ومهاجمته للأراضي السعودية، جعلت الجوار الخليجي يشعر بالقلق الدائم من الخطر القادم من جنوب اليمن.

أسباب إضافية

وبالإضافة إلى الأحقاد التاريخية، هناك العديد من الأسباب التي تجعل السعودية والإمارات تعملان على تمزيق وإضعاف اليمن، من أهمها المخاوف من حدوث تحول سياسي وديمقراطي في اليمن يؤثر على الشعوب الخليجية وأنظمة الحكم الملكية العائلية هناك، خاصة بعد ثورات الربيع العربي، وكذلك الخوف من حيوية المجتمع اليمني وإرثه الحضاري وموقعه الإستراتيجي، والخوف من أن يؤدي الاستقرار السياسي وقيام نظام حكم فيدرالي تنافسي إلى حدوث نهضة اقتصادية وتنموية، تجعل اليمن يتحرر من الوصاية الأجنبية، ويستغل موقعه الإستراتيجي اقتصاديا، وتأثير ذلك على موانئ خليجية مهمة. 

ولهذه الأسباب مجتمعة، ستستمر السعودية والإمارات في سياسة تمزيق وإضعاف اليمن، وبأيدي أبنائه، من خلال السلاح السائب والمال السياسي المقدم للجماعات المسلحة البدائية دون الوطنية، وعدم التوقف عند مشروع انفصال جنوب اليمن فقط، وإنما خلق واقع ممزق شمالا وجنوبا يضعف الجميع. وفي أسوأ الأحوال، جعل اليمن "دولة طافية"، بحيث لا تتمكن من النهوض، ولا تغرق في الفوضى الشاملة، ومحاولة جعل الحرب ومساراتها تحت السيطرة، وجعل كل طرف يؤدي الدور المرسوم له فقط، ما لم تظهر حركة وطنية نقية من أوساط الشعب تضع حدا لهذا العبث الحاصل في البلاد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.