مقالات
الكتابة فوق حقول الألغام
الكتابة في اليمن لم تعد نزهة أو فسحة جميلة مع القلم والموهبة والابداع لأي كاتب خلال السنوات الأخيرة ، سواء كانت شعرا أو نثرا ، لقد تقلصت مساحات الحرية وتم شطب الهامش الديمقراطي الزائف الذي كان يتبجح به السابقون .
المليشيا في طول اليمن وعرضه حولت كل شئ الى رقابة ومساءلة ، وترقب وتشكيك بكل شئ يكتب ، أو ينشر بكل وسائل النشر المتاحة ، خاصة مايعرف اليوم بالسوشيال ميديا ، لقد تم تدمير السلطة الرابعة أو الصحافة الورقية ، ولقد توالدت سلطة رابعة من رحم الفضاء ومن بطون الكابلات العابرة للبحار والمحيطات ، ولننتظر ماذا يخبئ المستقبل من ابتكارات تسابق زمن الطغاة والديكتاتوريات والمليشيات .
في الزمن الإمامي الأغبر المعقد ، كان اليمنيون عندما تلحق بهم أسباب البطش في الشمال يلجأون الى الجنوب ، وهناك يفضحون كل أفعال الاماميين عبر منابر كثيرة ، ولعل مافعله الزبيري والنعمان والموشكي وغيرهم في ذلك الزمن يعرفه الجميع .
وفي زمن التأميم والاشتراكية العلمية كان الجنوبيون يلجأون الى الشمال ، ويجدون الأمان والحماية والوظيفة .
لكن اليوم في هذا الزمن العصيب والسماوات المفتوحة ، نجد حامل القلم اليمني مضطهدا ومحاربا أينما اتجه ، رغم تكاثر الفرقاء وتوالد المليشيات تجد نفسك ككاتب تسير فوق حقول من الألغام ، لايعجبهم صاحب أي قلم حر ولايستطيع الكاتب ايصال فكرته بسلاسة ووضوح، فتجد نفسك بين عشية وضحاها جبانا مكبلا بقيود كثيرة لاحصر لها سواء كنت في غرب اليمن أو شرقه ، جنوبه أو شماله ، أو وسطه أو أطرافه .
عندما كان الحكم الشمولي سائدا في الوطن العربي كله كان الكاتب أو الشاعر عاجزا عن القول ، أصبح بالكاد يطالب بحرية البول كما قال النعمان الأب وهو معتقل في سجون مصر عبد الناصر التي كانت حينها واحة الحرية لليمنيين .
ولذلك ظهر في مطلع القرن العشرين مذهب أدبي معروف في الكتابة ، اسمه مذهب الرمزية ، ولاشك أن لقصص كليلة ودمنة وبطلها الفيلسوف بيدبا أكبر الأثر في ولادة هذا المذهب الرمزي الذي اتاح لكل من يمارس مهنة الكتابة سواء كان هاويا او محترفا ، اللجوء للكتابة في هذا الاطار الرمزي .
لكن اليوم نحن نعيش اوضاعا تجاوزت كل مذاهب الأدب ، وتجاوزت كل الديكتاتوريات والسلطات الغاشمة التي لم يعد يهزها أو يهمها شئ .
الوقاحة الديكتاتورية والطغيان والتسلط ساد اليمن من اكبر رأس الى أصغر رأس ، سواء كانت سلطة شرعية رخوة ، أو مليشيات لاتأبه لشئ أو أحد ، خاصة وقد تحولت المليشيات وتوالدت الى كل بقعة او قسم شرطة او نقطة أمنية أو متر مربع ، ولذلك نلاحظ الكثير من الأفراد وقد تحولوا الى مليشيات مصغرة على مستوى الأحياء والشوارع والقرى .
ألغام هائلة تم ويتم زراعتها ، ليست فقط تلك المتمثلة بالمتفجرات وحقول الألغام في كل الطرق واطراف المدن بل نقصد هنا تفخيخ روؤس اليمنيين جميعا ، بكل مساوئ العالم البشع من الطائفية والسلالية والفساد والفقر والجوع والمرض والاذلال والتخوين والتركيع .
تم تحويل الشعب الى متسول للفتات واقفا على ابواب منظمات كاذبة ، وخدمة مدنية مزيفة ، من اجل نص راتب بغيض قد لا يأتي الا بشروط واستعباد ،
عندما نقرأ منشورا بصرف حافز أو نص راتب ونجد تحته مئات التعليقات لمعلمين اذلاء رضوا لذواتهم الهوان والذل يبدون شكرهم وامتنانهم للطغاة ، نعرف أن هذه الروؤس تم تفخيخها وفرمتتها ودعسها بنجاح بكل أسف وتحويلها الى قطيع ذليل لايصلح الا للحشد والصرخة، لنا أن نتخيل المستقبل اذا لم يتوحد اليمنيون ثأرا لكرامتهم المستباحة .