مقالات

"غزوة" ترمب واستقبال الجدائل!

19/05/2025, 17:48:04

في طريق العودة من "الغزوة" التريليونية، سأل صحفي من 'بي بي سي' ترمب: سيدي الرئيس، هل شعرت بالإحباط من مستوى الوفد الروسي الذي زار تركيا؟".

بدا السؤال بالنسبة للرئيس، مطور العقارات، حشواً غير مهم على هامش ما يفترض أنه أهم ما حققه في تاريخه.

أراد الرجل أن لا تدهمه اليقظة من سكرة الغنائم التي فاضت بها الزيارة.

في تلك اللحظة، لم يعد ترمب يتذكر دولة اسمها أوكرانيا، ولا رئيساً يُدعى بوتين، وربّما لم يعد يعرف أين تقع تركيا!

أسعفته سخريّته اللاذعة، وصراحته الخشنة: "عدتُ بأربعة تريليونات دولار من الخليج العربي، وأنت تسألني عن وفد؟".

هنا يمكن لأوكرانيا أن تلمع في ذهن ترمب. إنها الخسارة الأمريكية الضخمة التي جرى تعويضها باثني عشر ضعفاً من أموال الخليج!

هكذا تراءت أوكرانيا لترمب، وهكذا تحدّث مزهواً وهو يغمر أصدقاءه "ذوي الجسمان الطويلة، والأذكياء" بالامتنان، بعد أن غمروه بتلال الأموال.

ما لم يقله ترمب أن شيئاً من هذه الأموال يمكن أن يكون تعويضاً ضمنياُ عن خسائر مخازن الأسلحة الأمريكية التي تتزود بها إسرئيل لتدمير غزة، أو أنها مكافأة المذبحة بصورة ما!

لم تكن هذه الجولة الترمبية وسط مذبحة غزة زيارة "دولة" لرئيس قوة عظمى، بل تتويج للمصارع الذي طرح المنطقة أرضاً ثم فاز بأموالها.

هناك سياق لا يمكن فصله عن الزيارة، وهناك جغرافيا تنزف، وحرب إبادة تحدث بالقرب من صالات الاستقبال وقصور توقيع الصفقات، لا يمكن القبول  بوضعها جانباً.

لقد جرى الاحتفاء بالرجل الذي طالما سخر من قادة المنطقة، في الوقت الذي كانت جثث أطفال غزة وجلود سكانها تُشوى بالقنابل الأمريكية. وبينما كانت إسرائيل تمضي في حرب إبادة الشعب الفلسطيني، التي تقترب من نهاية عامها الثاني، كانت الخيول، التي لم تعد "خيولاً"، وجدائل الفتيات التي بعثرتها "الفرحة" في وجه قاتلهم، تحشد لاستقبال ترمب!

أحدهم خامره شعور "إنساني" وهو يمنح ترمب مليارات شعبه، يهمس في أذن المصارع: "سيدي الرئيس أرجوك افعل شيئا من أجل شعب غزة؟". لم يكن ذلك جزءا من الصفقة، بل كلام زائد عن الحاجة على هامشها.

في اليوم التالي، تفهَّم الرجل المطلب الإنساني: أرسل طائرات النقل الضخمة محمّلة بالأسلحة إلى إسرائيل لمواصلة المذابح، وخرج نتنياهو متبجحاً: "لقد بدأنا حرباً شديدة، وقواتنا تدخل بقوة إلى غزة".

ما الحرب الأشد التي لم ترَها غزة حتى الآن؟

هذا المشهد سيبعث النشوة في عروق عضو الكنيست، تسفي سكوت؛ قال الصهيوني المتطرّف هازئا: "بالإمكان قتل 100 من سكان غزة في ليلة واحدة، ولا أحد يكترث في العالم".

في الواقع، هناك من يكترث، وحده العالم العربي لا يكترث. في العالم الحُر خرجت الشعوب الحيَّة بمئات الآلاف لإدانة وفضح مجازر إسرائيل، والتنديد بمواقف الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية المتواطئة. في العالم العربي جرى مكافأة راعي الدّولة الصهيونية ب4 تريليونات دولار!

هذه الصورة المُخزية، قابلها تغيير حازم في بعض مواقف الدِّول الغربية.

رئيس الحكومة الإسبانية أكد موقف بلاده الرافض لأي علاقة تجارية مع إسرائيل. قال بصورة واضحة لا لبس فيها أغضبت كيان الاحتلال: "نحن لا نتاجر مع دولة إبادة جماعية".

ستتضح الصورة أكثر على جانبي العالَمَين من خلال وزير الخارجية الإمارتي، عبدالله بن زايد، فقد بدا أكثر إصراراً على التمسك بمواقف نتنياهو: "يجب أولاً إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، واستبدال حكم حماس في غزة".

يا سيادة الوزير: أن تدفع لترمب أكثر لا يعني أن تغدو نتنياهو آخر!

الثروات في كل العالم تتحوّل إلى ركيزة أساسية للقوة السياسية للدول، تنعكس في علاقاتها الدولية، وفي محيطها. حتى بمنطق الصفقات، هناك شيء دائماً في المقابل يحفظ ماء الوجه. في العالم العربي وحده تتحوّل الثروة إما إلى لعنة، كما حدث في الجمهوريات الثرية، أو نقطة ضعف تُبدد لشراء الحماية لعروش الملوك، وتدمير المحيط، أو وباء لشراء الأدوار الوظيفية للتخريب.

قبل عودة ترمب إلى البيت الأبيض، لم يكن في خطط أيّ دولة خليجية أن تضخ كل تلك الأموال إلى المحافظ الأمريكية. ذلك يعني أن دفع الأموال الهائلة بتلك الصورة لم يكن مبرمجاً في خطط، ولا يمثل حاجة حقيقية للدول وللشعوب.

إذا كان الدافع هو البحث عن مظلة حماية، فالصفقات لم تعلن بموازاتها أي اتفاقيات دفاعية جديدة باستثناء الإدمان الخليجي المعتاد: مراكمة شراء السلاح.

أما الشخص، الذي يقف على الجانب الآخر من الطاولة، فهو نفسه الذي التقط صفقة بـ450 مليار دولار أثناء ارتشاف فنجان قهوة في ولايته الأولى؛ لم يلتزم وقتها لحلفائه المفترضين بشيء، أدار لهم ظهره، وترك منشآتهم الإستراتيجية هدفاً سهلا للمسيّرات الإيرانية!

اعتاد الرؤساء الأمريكيون على إضفاء طابع رمزي على زيارتهم الأولى بعد استلام الحُكم، ولطالما كانت الوجهة غالباً بريطانيا أو دول الجوار ك'كندا أو المكسيك'.

ترمب قلب الأمر رأساً على عقب. باتت الزيارة الأولى سلعة للبيع، مسبوقة بإعلان: إذا أرادت السعودية أن تكون الوجهة الأولى فعليها أن تستثمر 400 مليار دولار. التقطت الرياض الإعلان وأعلنت عزمها استثمار 600 مليار، وبعد الزيارة تجاوزت تريليونا!

قطر ركضت في المضمار بتريليون و200 مليار دولار، أبوظبي سبقت الجميع ووقعت على مبلغ تريليون و400 مليار دولار.

ليس في ثنايا كومة الأموال الخليجية أي التزامات أمريكية؛ لا التزامات تجاه  الأمن المباشر للدول نفسها، ولا التزامات حتى من قبيل المزايدة تجاه غزة بوقف الحرب.

قال لي صديق متحمساً لهذه الهرولة الخليجية: "لماذا تعتقد أن هذه الدول مهتمة بوقف المذبحة الإسرائيلية هناك؟".

منذ تشكلت هذه الدّول كانت فوائض أموال البترول تذهب إلى أمريكا. هذه لن تكون آخر دُفعة طالما استمرت هذه الدِّول على نهجها. بنت ناطحات السحاب، واشترت كل ما أنتجته مصانع العالم، ووظفت أموالها لخدمة مشاريع تفكيك محيطها؛ من العراق إلى اليمن وسوريا، لم تكن تختلف كثيراً عن إيران.

لقد عاد ترمب إلى واشنطن محمّلاً بما لم يطمح إليه في أفضل أحلامه. عقد الصفقات لأمريكا، ولشركات أنجاله أيضاُ، مع ذلك لم يتغيَّر شيء في أوضاع المنطقة.

لقد عاد بالغنائم، وترك الشرق الأوسط  في قبضة إسرائيل، متفاوضاً مع إيران، ثم ترك للخليجيين الصراع على "زعامة" الشرق الأوسط في الشبكات الاجتماعية!

حتى اللحظة، لايزال غبار معركة الزعامة هذه يتطاير في أجواء الخليج، ووصل بعضه إلى أقاصي العالم العربي!

مقالات

الشراكة مع الحوثي: وهمٌ وتكتيك

ست حروب ضروس خاضتها مليشيا الحوثي في صعدة ضد الجيش اليمني، نعم صفحاتها ملطخة برفضٍ قاطع لحضور الدّولة، لإرادة الشعب، ولأي صيغة للتعايش السلمي.

مقالات

أبو الروتي 36

بسبب تضرر دُور السينما من فرض حظر التّجول، اضطرت بعض الدُّور إلى عرض أفلامها نهارا. وعندما عرفتُ أن 'سينما بلقيس' تُعرِض أفلاما في الصباح، فرحتُ.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.