مقالات

نبيل الآنسي، الجوكر

01/03/2025, 14:25:25

كان بإمكان نبيل الآنسي الاستمرار في "زنبقة"، أو اختراع شخصية هزلية جديدة، وسيلقى نجاحًا في الشارع كالنّجاح الذي لاقته شخصية "زنبقة" من قبل.

وكان بإمكانه النَّظر إلى الجمهور العريض، الذي يُفضِّل السطحية على الدِّراما الجادة، دون أن يهتم بتقديم أدوار جادة وقويّة.

لكنه كان أذكى من الممثل المصري محمد سعد، الذي قدَّم "اللمبي"، واستمر في تقديم شخصيات كوميدية ضعيفة تعتمد في الإضحاك على "عوجة اللقف"، إلى درجة أن المشاهد المصري والعربي انسحب من أمام الشاشات التي تُعرض محمد سعد.

ظل نبيل الآنسي ينتظر العرض الجاد ليقدِّمه بعد سنوات من انحطاط الدِّراما اليمنية، التي سجَنت نفسها في مسلسلات كوميدية، وصلت إلى درجة الإسفاف.

منذ نهاية التسعينات، مرورا بالعقد الأول من الألفية الجديدة، اتَّجهت الدِّراما إلى الكوميديا، بل غاصت في مستنقعها، وانحدر مستواها أكثر وأكثر.

وكانت شخصية "زنبقة" في مسلسل "همي همك" هي الشخصية الأكثر تأثيرًا على الشارع اليمني، بل تجاوز تأثير هذه الشخصية إلى "تهامة عسير"، حيث كانت اللهجة القريبة من تلك المناطق عامل جذب للمشاهد خارج اليمن.

في وقت كان الإنترنت محدودا، ولا وجود لترند يتناقله المتابعون عبر الإنترنت إلا أن شخصية "زنبقة" كان تأثيرها أقوى من أي "ترند" عالي التأثير حاليًا.

أتذكر، في 2009، حين عُرض الجزء الأول من المسلسل، كانت الشوارع تخلوا من المارّة في ذمار، وقت عرض المسلسل.

وحين كانت الكهرباء تنقطع عن نصف المدينة الشرقي مثلا، يتّجه المشاهدون إلى الجانب الغربي من المدينة لمتابعة المسلسل في البوافي وصوالين الحلاقة، وأي محل يوجد فيه تلفزيون.

كان الناس يتحرَّكون من شرق المدينة إلى غربها لمشاهدة نبيل الآنسي؛ لأنه لم يكن هناك في ذلك الحين تلفونات ذكية يشاهدون فيها المسلسل.

مع نبيل الآنسي و"زنبقة"، في ذلك الوقت، إما أن تشاهده أو لا تشاهده. وفضّل المشاهدون البحث عنه في كل مكان وقت عرض المسلسل.

لم يشهد ممثل يمني نجاحا جماهيريا في شخصية كما نجح نبيل الآنسي في شخصية "زنبقة"؛ استطاع أن يأسِر الناس، رجالا ونساءً وأطفالًا، بهذه الشخصية التي ظل مسجونا بها لسنوات عدّة.

لم يقدِّم أدورًا أخرى، ليس لأنه لا يريد، لكن الدِّراما نفسها كانت تشهد انتكاسة قويَّة. ولا مجال للدِّراما، ولم تغامر القنوات أو المنتجون بإنتاج مسلسل درامي في تلك السنوات.

كانوا يعتقدون بأن النّجاح حليف المسلسلات الكوميدية فقط؛ لذلك استمر مسلسل "همي همك" في عدّة أجزاء، وبالتوازي ظهرت عدَّة مسلسلات كوميدية، وانسحبت المسلسلات الدِّرامية.

ولم يُعرَض على نبيل الآنسي أي دور جاد يستطيع من خلاله إبراز إمكانياته، بل أعادت قناة "المهرية"، عام 2021، تقديمه في مسلسل "العشة"، أو "عودة أم جعفر"، وبعدها بعام قُدِّم مسلسل كوميدي آخر (عيال المرحوم)، لم يشهد النَّجاح المطلوب.

لكن مع عام 2022، خلع نبيل الآنسي عباءة الكوميديا، التي ملَّ منها، وبدأ أول أدواره الجادة في مسلسل "دكان جميلة"، بدور الشرير (غريب).

كان حقيقيا في أدائه، كأنَّه لم يكن يُمثل. وفي العام الذي تلاه قدَّم دورًا أروعَ في مسلسل "قرية الوعل".

شخصية "ليث" استطاع معها تقديم مشاهد صعبة للغاية تركت أثرًا لدى الجمهور؛ مثل مقتل "هجام" وبكائه الحار وصرخاته. قدَّم نبيل الآنسي في هذا المشهد أداءً أُسطوريًا بحق؛ ويجب الإشادة به، ويجب أن نرفع له القبَّعة.

كان في بعض مشاهد "قرية الوعل" يمثل بأداء يشبه "الجوكر"، تنقّلاته بين ضحكاته وغضبه وصراخه لا يستطيع ممثل عادي تأديتها.

أغلب مشاهده تعتبر "ماستر سين"، يتناقلها الناس في وسائل التواصل الاجتماعي، وحالات في "واتس آب".

نبيل الآنسي ممثل حقيقي، وصاحب مهارات عالية جدًا في لعب الشخصيات؛ حتى طبقات صوته مميَّزة للغاية.

وخروجه من عباءة "زنبقة" إلى عباءة الشخصيات الأخرى أتاح له إظهار بعض مهاراته؛ أقول بعض مهاراته وأنا أعي أن إمكانياته عالية، وما زال بجعبته الكثير.

وأثق أنه لو تعامل مع مُخرجين ذوي مستوًى عالٍ ونصوص جيِّدة، فإنّه سيقدِّم دراما تُسهم في تطوّر الدّراما اليمنية.

تجدر الإشارة إلى أن نبيل الآنسي لم يكن ليحقق النَّجاح في مسلسل "قرية الوعل"، أو "دكان جميلة"، لولا وجود النّص الجيِّد، والفريق الرائع المتكامل؛ من مُخرج ومُمثلين. لكنني هنا أركِّز الحديث عن تجربته فقط.

أنا متفائل في تطوّر ولو بسيط في الدِّراما اليمنية في هذه السنوات، التي شهدت منافسة بين عدَّة قنوات.

هذه المنافسة هي مَن جعلت المنتجين والمُخرجين يسعون نحو إيجاد دراما جادة.

تجدر الإشارة إلى أنه رغم المنافسة الشرسة في موسم رمضان بين المسلسلات المصرية، ذات التاريخ الكبير، إلا أن المسلسلات اليمنية وجدت مشاهدًا يمنيا يتابعها.

وعلى الرّغم من أن الدِّراما اليمنية ما زالت متواضعة إلا أنها تحسّنت، ورغم أن نِسب المشاهدة ما زالت ضئيلة إلا أنها زادت مقارنة بما كانت عليه في الماضي.

مقالات

دستور طارق!

ربما ليس علينا الآن تذكير اليمنيين بطارق صالح، مدرب قناصة الحوثي والقائد الميداني ذي الوجه الشاحب الذي كان يقاتل، بإخلاص، كتفاً بكتف مع مجرم الحرب أبو علي الحاكم تحت قيادة عبدالملك الحوثي.

مقالات

وسائل التواصل الاجتماعي .. كيف شوَّهت صورة اليمن أمام العالم؟

بعد أن لم يعد لدى اليمن برلمانٌ واحدٌ ينعقد بانتظامٍ لمناقشة أحوال البلاد وقضاياها المصيرية، ولا صحافة تتمتع بقدرٍ معقولٍ من الحرية والاستقلالية، لا بأس من أن تصبح بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ساحةً لتناول تلك المسائل والهموم.

مقالات

طارق صالح: من عبء على الحوثي إلى عبء على الشرعية

حين استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، بدت الحاجة إلى أدوات صالح العسكرية والبيروقراطية ضرورة مرحلية. كان كمن يفتح لهم أبواب القلعة التي سيتحول لاحقًا إلى أسير داخلها. بقيت الحاجة لصالح إلى أن نجحت العصابة الحوثية في تجريده من أوراقه، وإلحاق أدواته بها، وإعادة تكييف أتباعه داخل الجهاز الإداري والعسكري للدولة، وربط مصالحهم بها مباشرة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.