مقالات

الخليج بين هاجس استقلالية القرار وضغوط المظلة الأمريكية

11/09/2025, 11:28:52

يصعب فهم مواقف الحكومات العربية، ولا سيما في منطقة الخليج، بمعزل عن شبكة العلاقات الدولية التي ترتبط بها. 

فهذه الدول، بحكم بنيتها السياسية وموقعها الجغرافي وثقلها الاقتصادي، تجد نفسها محكومة بمعادلة معقّدة تتصدرها الولايات المتحدة، بوصفها الضامن الرئيس لأمنها واستقرار أنظمتها.

هذه العلاقة لم تُبنَ على أساس مصالح اقتصادية فقط، بل على معادلة "الحماية مقابل الولاء"، حيث يشكّل الوجود العسكري الأمريكي، والتعاون الأمني والاستخباراتي، صمّام الأمان في مواجهة التهديدات الإقليمية، وفي مقدمتها إيران.
ومن هنا، فإن أي تحرك سياسي أو أمني خليجي يظل محكومًا بمدى توافقه أو تناقضه مع الرؤية الأمريكية.

وعليه، فإن أي رد فعل يصدر عن هذه الدول تجاه القضايا الإقليمية أو الدولية، حتى تلك التي تمس أمنها القومي بصورة مباشرة، يظل خاضعًا للمحددات الاستراتيجية التي تفرضها هذه العلاقة.

ومع ذلك، لا يخلو المشهد من هوامش للمناورة أظهرتها دول الخليج في السنوات الأخيرة. فقد نجحت دول مثل قطر في لعب أدوار وساطة إقليمية بارزة، كما في المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل عام 2023، التي ساهمت في تهدئة التوترات في غزة مؤقتًا. 

كما استطاعت السعودية أن تعزز حضورها العالمي من خلال استثمارات استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة وتطوير مشروعات مثل "نيوم"، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. 

هذه الجهود تعكس محاولات خليجية لخلق مساحات استقلالية، لكن التجربة أثبتت أن هذه الهوامش تتقلص سريعًا كلما لامست خطوطًا حمراء أمريكية، ليعود المسار إلى ما يتسق مع التوجهات الكبرى للسياسة الغربية.

الأزمات السابقة والحديثة تكشف ذلك بجلاء: فحين غزا العراق الكويت عام 1990، لم تجد دول الخليج بديلًا عن الاحتماء بالمظلة الأمريكية والدولية، وعندما قررت واشنطن غزو العراق عام 2003، ورغم التحفظات الشعبية والقلق الرسمي من التداعيات، فإن الأنظمة التزمت عمليًا بالإطار الأمريكي. 

الأمر نفسه تكرر مع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حيث عبّرت دول الخليج عن مخاوفها بوضوح، لكنها ظلت ضمن حدود الاعتراض السياسي دون أن تملك القدرة على تغيير المسار. 

وفي السنوات الأخيرة، أظهرت إعادة تقييم العلاقات مع إيران، كما في التقارب السعودي–الإيراني بوساطة صينية عام 2023، محاولة خليجية لتنويع التحالفات، لكنها لم تغيّر من جوهر الاعتماد على الضمانات الأمريكية. 

وأخيرًا، جاء مسار التطبيع مع إسرائيل ليكشف عن توافق استراتيجي عميق مع الإرادة الأمريكية، أكثر من كونه قرارًا سياديًا خالصًا، حيث أثار هذا المسار جدلًا واسعًا في الأوساط الشعبية الخليجية، لا سيما في ضوء استمرار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.

في المقابل، يبقى الرأي العام الخليجي والعربي عمومًا متمسكًا بآمال أكبر في استقلال القرار السياسي، لا سيما في القضايا التي تمس الوجدان العربي كفلسطين.

هذه الفجوة بين التطلعات الشعبية والواقع السياسي ليست مجرد انقسام رأي، بل قد تؤثر على الاستقرار الداخلي في بعض الحالات.

 فعلى سبيل المثال، أدت منصات التواصل الاجتماعي إلى تضخيم أصوات الشباب الخليجي الذين يعبرون عن إحباطهم من مسار التطبيع أو من السياسات التي تبدو منفصلة عن تطلعاتهم. 

هذا التفاعل الشعبي، الذي يتزايد مع انتشار المنصات الرقمية، يضع ضغوطًا متزايدة على الحكومات لتبرير قراراتها أو إعادة تقييمها، مما يخلق ديناميكية داخلية معقدة قد تؤثر على السياسات المستقبلية.

إن إدراك هذه الحقيقة لا يعني إنكار وجود حسابات محلية أو مصالح داخلية، لكنه يضعها في حجمها الطبيعي، بوصفها تفصيلات داخل معادلة أكبر.

ومن دون هذا الإدراك، ستبقى التوقعات الشعبية حبيسة الأمنيات، بينما تتحرك السياسات وفق حسابات مختلفة تمامًا، تتجاوز ما يرغب فيه المواطن العادي أو يتخيله المحلل السياسي غير المدرك لعمق الارتباط البنيوي بين أنظمة الخليج وحليفها الأمريكي.

ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، مثل الاستثمارات الاقتصادية الطموحة وتنويع الشراكات الدولية، تشير إلى إمكانية توسيع هامش الاستقلالية تدريجيًا. 

فمن خلال تعزيز القدرات الاقتصادية والتكنولوجية، وبناء تحالفات جديدة مع قوى مثل الصين والهند، يمكن لدول الخليج أن تخلق توازنًا جديدًا يقلل من الاعتماد المطلق على الحليف الأمريكي، مع الحفاظ على استقرارها الأمني.

هذه الخطوات، إذا ما أُحسن إدارتها، قد تمهّد الطريق لسياسات أكثر استقلالية تلبي تطلعات شعوب المنطقة، لا سيما في قضايا مثل العدالة الاجتماعية والدعم للقضية الفلسطينية، مع الحفاظ على الاستقرار الأمني دون المساس بالمصالح الاستراتيجية.

فالخيارات أمام دول الخليج لا تمنحها ترف القطيعة مع الحليف الأمريكي، بل تستدعي بناء توازنات أوسع تمنحها أمانًا أكبر وقرارًا أكثر استقلالية.

مقالات

استباحة العرب بأموالهم!

عندما قرر ترمب القيام بأولى جولاته خارج الولايات المتحدة الأمريكية بعد إعادة انتخابه، أطلق ما يشبه الإعلان التجاري. تجاهل كل بقاع العالم، ومدّ بصره حصراً إلى منطقة الخليج العربي، ثم أدار إسطوانته: إذا أرادت الرياض أن تكون وجهة الزيارة الأولى، فعليها أن تستثمر 400 مليار دولار.

مقالات

لا تصدقوه.. هذا يكره جمال عبد الناصر (سيرة ذاتية 12)

في صباح اليوم التالي خرجتُ من اللوكندة وأنا بدون نوم. وبعد أن فطرتُ في "مطعم النجاة"، ذهبتُ إلى مقر رئاسة الأركان لتقديم المذكرة بخصوص ترقيتي من عسكري إلى رتبة رقيب. وعند وصولي، كان هناك زحامٌ شديد، وجميعهم بالبدلات العسكرية

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.