مقالات

عن مناسباتية الاحتفاء

22/05/2022, 05:52:33
المصدر : خاص

ذات يوم بعيد بعيد، وجدتني أقرأ شيئاً من تاريخ الثورة اليمنية.

كانت قراءة في كتاب مدرسي، وكان المُدرّس لا يعرف شيئاً خارج المادة المنشورة في الكتاب. وربما كان يعرف، ولكنه يعشق الوظيفة أكثر من التاريخ، ويُقدّس الحكومة أكثر من الثورة.

لكن المصيبة أنني ظننت يومها أن ما يقوله الكتاب، أو يُردّده المُدرّس، هو الحقيقة.

وكبرتُ. وظللتُ أقرأ تاريخ هذه الثورة. وظللت أسمع. وظللت أحياناً أرى ما أستطيع رؤيته. وفجأة، أنفجرتْ "قنبلة" في وجهي: إن التاريخ - وتاريخ الثورات بالذات- يُكتب غالباً بأقلام الأشخاص الذين قطفوا ثمارها، وإنْ لم يضعوا بذرة في تربتها.

وكفرتُ بكل تاريخ مكتوب، يكتبه الحُكّام، تطبعه الحكومة، تُسوّقه المؤسسة الرسمية، ويقرؤه الطلبة الأبرياء في المنهاج الدراسي الكنائسي المُقرّر المُقدّر.

وآمنتُ بالحقيقة، الحقيقة الغائبة، الغائمة، المجهولة.. الحقيقة التي لم تزل تصارع ظلام الفناء بشمعة الحياة.. الحقيقة التي تظل الحلقة المفقودة في سلسلة التاريخ!

...

مناسباتية الكتابة واحدة من الآفات التي أصابت بعض أهل الصحافة -والكتابة إجمالاً- وربما أغلبهم.

فلا تحلو الكتابة عن الثورة أو الوحدة أو الاستقلال -مثالاً- إلاَّ بقدوم ذكراها.

 وإذا صدر عدد خاص بهذه المناسبة -من هذه الجريدة أو تلك المجلة- أنبرى جيش جرّار من الكُتّاب، وأنصافهم وأشباههم، للكتابة في هذا الشأن. وكأنَّ هذه الأحداث الكبرى لم تعد سوى ذكرى أو مجرد مناسبة احتفالية سنوية كذكرى المُتوفّين!

وإذا خالف الكاتب هذه القاعدة، فلم يحضر مراسيم إحياء هذه الذكرى، تكالبت عليه التأويلات.. فهو مناهض للثورة، وهو مُعادٍ للثوار، أو هو ضد الوحدة، أو ... أو ...

فيما الحق أن معاداة الثورة لا تنبع -في أحيان كثيرة- إلاَّ من أقلام وألسن أشخاص لا يذكرون الثورة إلاَّ في ذكراها السنوية، ولا يتذكرون الثوار أو يترحمون على الشهداء إلاَّ في المناسبات والاحتفالات الخطابية الرسمية.

هؤلاء يسعون إلى إحالة الثورة من مكسب شعبي دائم.. إلى مطب تاريخي نائم!

...

قال فتى صغير في السن إنه حاصل على ميدالية، باعتباره مناضلاً في حرب التحرير التي خاضتها بلاده ضد الاحتلال الأجنبي.

وحين سُئل الفتى عن طبيعة هذا النضال الذي استحق عليه تلك الميدالية، زعم بأنه كان ينقل الزاد والماء إلى الثوار في إحدى الجبهات، على ظهر أحد الحمير. وزاد على ذلك أن الحمار الصنديد قد وعى مسالك الطريق من كثر تردده عليها، فكان يذهب بالمؤنة لوحده إلى الثوار بمجرد وضعها على ظهره. قيل له حينها إن الجدير باستحقاق تلك الميدالية هو الحمار!

هذه طرفة وردت ذات يوم بعيد في قصة لكاتب عالمي ساخر، لكنها تشير بجلاء إلى اختلاط الحسابات وانعدام المعايير في مضمار تعريف -وبالتالي تكريم- المناضلين في أية ثورة وفي أيّ مجتمع.

وهذا المشهد ظل قائماً في الحالة اليمنية بالطبع. ففي الوقت الذي غاب عن لوحات الشرف وصفحات التاريخ وذاكرة الأجيال مناضلون من العيار الثقيل والرصيد النفيس، نجد مناضلي الساعة 25 يتصدرون مراسيم التكريم وفعاليات الإشهار ومناسبات التقدير.

إن منح الشهادة النضالية لمن لا يستحقها، كمنح الشهادة الأكاديمية لمتحرّر من الأُميَّة.. كلاهما عنوان بارز لجريمة فادحة بحق العقل والضمير الجمعي.

مقالات

اليمنيون في الشتات.. أسئلة ومتاهات (4-4)

كلما ذهبت إلى بلدٍ يقصده اليمنيون؛ إمَّا هرباً من جحيم الحرب في بلادهم، أو للحصول على التطبيب الذي يفقدونه في وطنهم، تتسع أمام ناظري حدود المأساة التي يكابدها اليوم اليمن، والممتدة منذ نحو عشر سنوات.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.