مقالات
لاعيد .. لا بلد .. لا أحد!
من ذا الذي يتذوَّق طعم العيد اليوم؟
لا أحد. حتى الأطفال فقدوا كل مشاهد الفرح وشواهد البهجة، إلاَّ ما بقيَ من شغف دفين في روح الطفولة.
ثمة يتامى أكثر من أيّ يوم مضى. وثمة أرامل وثكالى لا عدد لهن على الإطلاق. وثمة قبور بُقِرَتْ في الزمن القليل المنصرم أكثر مما كان منها طوال أعوام مضت.
وخلال الأيام والأسابيع الماضية، فُجعتُ برحيل صديق أو زميل أو عزيز أكثر مما فُجعتُ طوال عام وأكثر. وكانت أعوام الحرب الكبيسة قد ازدحمت برحيل الأعزاء بسبب نيران الحرب وأحقادها وحتى رمادها.
وحين يموت اِنسان مثل صالح الحُميدي، اِعرف أن ميزان الحياة قد اختلّ، وأن معيار الجمال قد اعتلّ، وأن منطق الأمور قد انشلّ، وأن لا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
هل تدري ما المُؤلم والمُرعب في هذا الأمر كله؟
إن أخبار الموت صارت جزءاً من روتين الحياة بالغة العادية!
ها أنت تستمع إلى أخبار الراحلين وكأنَّك تستمع إلى نشرة الطقس أو بورصة العملات أو أسعار الخضار. كنتَ تسأل: بكم الدولار اليوم؟ أو بكم كيلو البامية أو الكوسة اليوم؟ فإذا بسؤالك يصير: كم ميتاً اليوم؟
يمرُّ عليك نبأ رحيل أحد أعزائك أو معارفك كما تمرُّ السحابة الكذبى في سماء المدينة الصحوة؟
لم تعد تقوى على رصد الأرقام أو تذكُّر الأسماء ومتابعة الحالات في دفاتر الحوادث.
يتصل بي صديق هاتفياً مساء كل يوم لينعي إليَّ صديقاً أو زميلاً أو أخاً من أخوة الزمن البعيد.
يحدث هذا مساء كل يوم. يوم أمس طلبتُ منه التوقُّف عن الاتصال. هل تراني اكتفيتُ حزناً، أم اكتفيتُ قلقاً؟
المصيبة أن قَدَر اليمني ألاَّ يكتفي من الحزن ومن القلق ومن التمزق الذاتي إلاَّ في اللحظة التي ينزل - هو شخصياً - إلى القبر!