تقارير
استعراض حوثي أمام منزل الشيخ الأحمر بصنعاء.. دلالات رمزية ورسائل سياسية
نفذت ميليشيا الحوثي، صباح أمس الأربعاء، عرضًا عسكريًا أمام منزل الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أحد أبرز زعماء القبائل اليمنية ورئيس مجلس النواب الأسبق، في حي الحصبة بالعاصمة صنعاء، في خطوة اعتبرها مراقبون رسالة سياسية واجتماعية تتجاوز مجرد الاستعراض العسكري.
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو توثق لحظة الاستعراض، ما أثار جدلًا واسعًا حول توقيته ودلالاته، خصوصًا أنه جاء بعد يومين من لقاء جمع في القاهرة العميد طارق صالح واللواء هاشم الأحمر وكهلان مجاهد أبو شوارب، خلال مناسبة زفاف لعائلات آل عفاش والقاضي ودويد، وهو اللقاء الأول من نوعه منذ أحداث 2011.
ويرى محللون أن التزامن بين العرض العسكري في صنعاء واللقاء البارز في القاهرة يشي برسائل متعددة الاتجاهات، موجهة إلى الداخل اليمني وخارجه، فيما يعكس اختيار الحوثيين لواجهة منزل الأحمر، بما تمثله من رمزية سياسية وقبلية، محاولة لإظهار النفوذ وفرض الهيمنة، لكنه في الوقت نفسه يكشف هشاشة الجماعة وقلقها من أي تقارب بين خصومها.
- قلق واستفزاز حوثي
وأشار ناشطون يمنيون إلى أن الاستعراض العسكري الحوثي أمام منزل الأحمر يمثل رسالة استفزازية تكشف عن هواجس داخلية لدى قيادة الجماعة وحالة من القلق السياسي. وأوضحوا أن هذه الخطوة تستهدف النيل من رمزية الأسرة وتحريك حساسيات قبلية، في وقت تحاول فيه الجماعة إظهار قوتها وقدرتها على السيطرة الميدانية.
وأكد الناشطون أن التحرك جاء كرد مباشر على لقاء هاشم الأحمر بطارق صالح وكهلان أبو شوارب في القاهرة، ويحمل تهديدًا مبطنًا للشيخ حمير الأحمر وأسرة آل الأحمر، بهدف الحد من نشاطهم السياسي والقبلي ومنعهم من المشاركة في الفعاليات الوطنية، مثل ذكرى ثورة 26 سبتمبر. كما رأوا أن العرض يهدف إلى تقويض الحضور القبلي المرتبط بالأسرة وكسر رمزية البيت الجمهوري في معقل قبيلة حاشد.
وخلص ناشطون آخرون إلى أن مثل هذه التحركات تكشف عن خوف الحوثيين من أي تحالف محتمل بين القوى المناهضة لهم منذ 2011، وأن الاستعراض العسكري يعكس سياسة الجماعة في استغلال الخلافات البينية، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى توحيد الصفوف ضدها، مع تصاعد حالة الغضب الشعبي والقبلي من ممارساتها الاستفزازية.
- التحريض ضد القبائل ورموزها
وفي هذا الإطار، أشار الخبير في شؤون الجماعات المسلحة عدنان الجبرني إلى أن موجة التحريض الحوثية لم تعد تقتصر على الخصوم السياسيين في المدن، بل انتقلت بشكل واضح نحو القبائل ورموزها التقليدية، خصوصًا بعد لقاءات المؤتمر الشعبي العام وما تلاها من نشاط للسامعي.
وأوضح الجبرني أن الجماعة وجهت رسائل مباشرة إلى الشيخ حمير بن عبدالله الأحمر، شيخ مشايخ حاشد، والشيخ ناجي الشايف، شيخ مشايخ بكيل، إلى جانب مشايخ آخرين، معتبرة أن أي نشاط اجتماعي اعتيادي، وفق أعراف القبائل المتجذرة منذ قرون، سواء أكان لحل المشكلات أو للقيام بالواجبات الاجتماعية مثل العزاء وحضور الأفراح، يُعد خرقًا لتوجيهات قياداتها و"خيانة لقضية فلسطين".
وأضاف في منشور على صفحته في "فيسبوك" أن هذه التصرفات وصلت إلى حد تنفيذ الجماعة، يوم أمس، وقفة مسلحة أمام منزل الشيخ حمير الأحمر، في إشارة واضحة إلى تصعيد الضغط والتهديد الموجه ضده شخصيًا وضد رموز حاشد. واعتبر أن هذه الممارسات الاستفزازية تهدف إلى كسر الحضور القبلي التقليدي للأسرة وإظهار قدرة الجماعة على فرض هيمنتها الميدانية، رغم الصمود الرمزي والسياسي للشيخ حمير الأحمر وعائلته.
وأوضح أن الحوثيين، منذ نحو شهرين، يعيشون حالة من الفوضى والانفلات نتيجة مزيج من الهوس والخوف وشعور بالعزلة عن المجتمع، ما دفعهم لتفسير أي تحرك قبلي عادي على أنه مؤامرة دولية، تصنفها الجماعة ضمن مخطط أمريكي-إسرائيلي، وهو ما يعكس عمق حالة القلق والارتباك الداخلي في صفوف قياداتها، ويدل على هشاشة موقفها أمام المجتمع والقبائل.
- سياسة التخوين والتهديد
من جهته، قال الناشط والسياسي اليمني عادل النزيلي إن حال الحوثيين مع بيت الأحمر يشبه وضع المعارضة أمام أبواب السلطة، مؤكدًا أن النفوذ الذي يمتلكونه لم يخفف من حالة الحيرة والعجز أمام رمزية منزل الشيخ الجمهوري.
وأضاف أن المشهد أعاد الاعتبار للأسرة وكشف هشاشة الجماعة رغم امتلاكها السلطة والنفوذ، بينما تساءل الناشط محمد السدح عن عدد المواقف الصعبة التي واجهتها أسرة الأحمر خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن الهدف من الاستعراض العسكري يتجاوز استهداف الشيخ حمير الأحمر ليشمل جميع القبائل المرتبطة بأسرة الأحمر.
كما اعتبر الناشط محمد عبداللطيف الصعر الاستعراض استفزازًا واضحًا، كرد على لقاء هاشم الأحمر بطارق صالح في القاهرة، مؤكدًا أن الجماعة تغذي نفسها سياسيًا على الفرقة بين أطراف 2011، فيما حذر من أن استمرار هذه التصرفات قد يثير ردود فعل قوية من الداخل.
وأشار ناشطون آخرون إلى أن الرسالة الحوثية كانت تهديدًا ضمنيًا للشيخ حمير الأحمر، وأن الاستعراض يعكس اضطراب قيادة الجماعة وحالة القلق والارتياب لدى عبدالملك الحوثي تجاه الجميع، حتى المقربين منه، مما دفعه إلى سياسة التخوين والتهديد.
كما شدد آخرون على أن هذا التصرف يُعد تعديًا صارخًا على القبائل اليمنية، داعين إلى استنكار هذه الأعمال العدائية قبل أن تمتد لتطال كل قبيلة وعزلة ومديرية، مؤكدين أن مثل هذه التحركات الاستفزازية قد تؤدي إلى توحيد القوى المناهضة للجماعة وتعزيز الصمود القبلي والسياسي للأسرة.
- مقاومة متنامية
إجمالًا، يبرز العرض العسكري أمام منزل الشيخ عبدالله الأحمر كدليل على هشاشة موقف الحوثيين وعمق توترهم الداخلي، وأيضًا على الوعي بالقيمة الرمزية للأسرة وأثرها على القبائل اليمنية.
وعلى الرغم من محاولة الجماعة فرض السيطرة، قد تُسهم هذه التحركات الاستفزازية في توحيد الصفوف المناهضة لها وتعزيز الروابط بين القوى السياسية والقبلية، إذ إن الرموز التاريخية والسياسية التي تحاول إخضاعها أثبتت صمودها عبر سنوات الحرب والصراع.
في النهاية، يعكس الاستعراض العسكري التحديات الكبيرة التي تواجه الحوثيين في احتواء خصومهم، ويؤكد أن أي تصرف استعراضي سيواجه مقاومة متنامية من الداخل، مما يعكس تعقيدات المشهد اليمني وغياب الاستقرار النفسي والسياسي لدى قيادة الجماعة.