تقارير
ثورة 11 فبراير .. الأحلام لا تموت بعد 14 عاماً
في الذكرى الرابعة عشرة لثورة الحادي عشر من فبراير، ثورة الشباب الشعبية السلمية، 14 عامًا مرت على خروج اليمنيين في أرقى ثورة عرفتها اليمن والمنطقة، خرج اليمنيون فيها مطالبين بالكرامة والعدالة والعيش الكريم، وبناء دولة مدنية حديثة تضمن حقوق جميع المواطنين دون تمييز.
حدث ذلك في لحظة إجماع وطني غير مسبوق، توحدت فيه مختلف الفئات والتوجهات على هدف واحد، وهو إسقاط نظام الفساد والاستبداد، ووضع أسس جديدة لدولة ديمقراطية تحترم إرادة الشعب، وتستمد شرعيتها من الانتخابات الحرة والنزيهة، حيث تتنافس الأحزاب على خدمة اليمنيين جميعًا.
لكن رغم الطموح الكبير الذي حملته الثورة، وحالة التفاؤل الكبير غداة نجاحها في إزاحة صالح من على كرسي الحكم، فإن التحالفات المضادة والتدخلات الإقليمية والدولية أجهضت مسارها، بل وتمردت عليها، ما أدى إلى انتكاسات عميقة قادت البلاد إلى الفوضى والانهيار، عقابًا لليمنيين على جرأتهم في المطالبة بالتغيير وسعيهم للخروج من عباءة الاستبداد إلى فضاء الديمقراطية والعدالة.
لقد جوبهت آمال اليمنيين بتآمر داخلي وخارجي، حيث تحالفت قوى الثورة المضادة لعرقلة أي تحول حقيقي، وجر اليمن إلى صراعات سياسية وعسكرية أنهكت المجتمع، وأعادت إنتاج مراكز النفوذ التقليدية بصيغ جديدة أكثر عنفًا وقمعًا وتخلفًا، جلبت ميليشيا الحوثي من الكهوف، وقدّمت له كامل الدعم ليعاقب اليمنيين على خيارهم في تقرير مصيرهم ومستقبلهم.
حدث تاريخي
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، الدكتور حمود صالح العودي: أتمنى من كل أبناء هذا الوطن، وكل الشباب والشابات الذين شهدوا تلك اللحظات التاريخية الهامة، أن يحتفظوا بمعنى أكبر من مجرد السياسة، وإزاحة سلطة أو مجيء سلطة، أو تآمر سلطة أو شخص أو جماعة أو غير ذلك.
وأضاف: الحادي عشر من فبراير في اليمن، وعلى امتداد ساحة الأمة، حدث تاريخي يتجاوز السياسة، ويتجاوز يوميات المنافع والمصالح السياسية إلى ظاهرة تاريخية غير مسبوقة، لأن الناس تعودوا أن الثورة أو التغيير السياسي يتم إما بواسطة نخبة عسكرية، أو نخبة سياسية وعسكرية، أو جماعة محدودة على الأقل تدخل في صراع مع السلطة ثم تُحدث التغيير.
وتابع: الحادي عشر من فبراير وما تلاه، حدث اجتماعي بكل معنى الكلمة، لأنه يتجاوز الأحداث الآنية السريعة والجارية، حيث عبّر عن شيء في عمق الأمة وفي عمق المجتمع، لم يكن مألوفًا من قبل، وهو الوجدان الوطني والاجتماعي والإنساني، الذي يجمع الناس جميعًا، حيث لا يختلف فيه الأب عن الأم، ولا الحاكم عن المحكوم، ولا صاحب المدينة عن الريف، ولا الفقير عن الغني، لكي يتجمعوا جميعًا ويقفوا أمام سؤال واحد فقط، وهو التغيير السلمي، والسلمي بالدرجة الأولى يعني السلام.
وأردف: كل تلك المئات من الآلاف، بل والملايين على امتداد الساحة اليمنية والعربية، الذين افترشوا الأرض ليلًا ونهارًا، وفتحوا صدورهم للعنف والقهر والقتل بدم بارد، وهم لا يمتلكون أدوات المواجهة، ولا العنف ولا الكراهية، كانت شعاراتهم تقول “سلمية سلمية”.
وزاد: مثل هذا الحدث الإنساني والهام وغير المسبوق، ينبغي أن يظل بارزًا وواضحًا وماثلًا أمام كل الأجيال، ليس فقط أمام الأجيال التي صنعته على مدى الأيام والشهور والليالي الطويلة، وإنما لا بد أن تنتقل هذه الصورة وتُدرّس وتُعلّم، وتصبح جزءًا من ذاكرة الأجيال القادمة، ليبقى الأمل قريبًا ويتحول ذلك الحلم وذلك الفعل الإنساني الكبير إلى واقع مجتمعي وسياسي في اليمن وخارجها.
فبراير تتويج لنضالات عديدة
تقول الباحثة بلقيس اللهبي: إن حدث ثورة الحادي عشر من فبراير صنع الكثير، على الأقل في وجداننا نحن الذين شاركنا فيه، حيث غير كثيرًا من حياتنا وحياة اليمنيين.
وأضافت: بالتأكيد يجول بخاطري في هذه اللحظة أني كنت ضيفة في قناة اليمن الفضائية، وكنت ممثلة عن شباب الثورة، وكان الدكتور حمود ممثلًا عن النظام، وهذه المفارقات الكبيرة تحدث في أحداث مزلزلة كالتي حدثت في اليمن.
وتابعت: لا أتذكر 11 فبراير بمعزل عن أحداث كثيرة سبقت، كان الشارع اليمني يغلي، وكانت الاحتجاجات موجودة تقريبًا منذ عام 2001، كانت احتجاجات بسيطة ومحدودة، لكن نستطيع أن نقول إن التكنولوجيا لعبت دورًا كبيرًا في إعطاء زخم أكبر لهذه الفعاليات وانضمام أناس كثر إليها.
وأردفت: نستطيع أن نقول، إن 11 فبراير كان تتويجًا لنضالات عديدة لليمنيين، وأيضًا لحالة من القهر والظلم واللامساواة وفشل الدولة، حيث شاركت فيها الجماهير اليمنية بكافة أطيافها، ليس كل اليمنيين، لكن كان هناك حضور من كل أنحاء اليمن.
وزادت: 11 فبراير بالنسبة لي أتذكره وتمسكني غصة فيها من الجمال وفيها أيضًا من الوجع، نتذكر أننا كنا نحلم حلمًا كبيرًا، عندما كنا نرى ما يحدث في تونس ومصر، ونحن بدأنا حقيقة من أول الحراك حتى ربما قبل 25 يناير.
وقالت: كنا نسير في الشوارع يوميًا، ونهتف يوميًا، ونحلم يوميًا، أنا أتذكر 11 فبراير حين تم الاعتصام في تعز، كنت أريد أن أذهب إلى تعز إن لم تتحرك صنعاء، وأكيد هذه كانت مشاعر كثيرين.
وأضافت: حين بدأ الاعتصام في صنعاء، كنا ننظف الميدان بأيدينا، ونجمع بقايا السجائر والأوراق، ونقول إن هذا هو الوطن الذي نحلم به، وطن نظيف، وطن صديق لليمنيين، وطن يسير فيه كل اليمنيين بفخر في شوارعهم، كانت أحلامنا شابة جدًا، لكن الواقع كان مخالفًا، لم نقرأ الواقع كما يجب، ولكن هذه لم تكن خطيئتنا أبدًا، فالحلم ليس خطيئة.
الثورة حيّة
يقول الناشط السياسي أسامة المليكي: ثورة 11 فبراير لم تتحول إلى أطلال، وما زالت حية في وجداننا، وقائمة في نفوسنا، ومشروعنا القائم هو مقاومة الميليشيا واستعادة الجمهورية واستعادة الدولة.
وأضاف: ثورة فبراير قائمة بمبادئها بالنسبة لنا في مواجهة الترهل، ومواجهة التدخلات الإقليمية، والوقوف مع السيادة الوطنية في اليمن، وقائمة في نفوسنا كثوار، ونحن قد أعدنا تعريف أنفسنا داخليًا وخارجيًا، كيف ينظر اليمني لنفسه، وكيف ينظر الآخر إلى اليمني، ونحن خلقنا من جديد في فبراير، وهذا الخلق لا يموت.
وتابع: نحن نحتفل ونعيد تذكير أنفسنا بفبراير ورؤوسنا مرفوعة، وإخواننا في المتارس والجبهات يدافعون عن بلدهم، ولولا فبراير وعقيدة فبراير، ما وجدنا أحدًا يواجه الميليشيا التي اكتسحت الدولة ووصلت إلى كل شبر في اليمن تقريبًا.
وأردف: الثورة اليمنية ليست الثورة الوحيدة في العالم، ولا الثورة الوحيدة عبر التاريخ، هي ثورة تأخذ المسار الطبيعي للثورات، وهي أيضًا متأثرة ومؤثرة في وضع البلد والإقليم، لم تكن مجرد حالة في مواجهة مؤامرات معينة، بل كانت حالة غليان شعبي وصلت إلى لحظة معينة فانفجرت في الشارع.
وزاد: لم يكن هناك من خطط مسبقة لها، لكنها كانت نتاج تراكمات طويلة، ولكن المؤامرات التي حيكت ضدها لا يمكن تقبلها، ويمكن فقط تفهمها بأن هذه الثورة شكلت خطرًا على أطراف عديدة داخليًا وخارجيًا، ومن الطبيعي أن تواجه تحديات كثيرة.
وقال: الثورة تمت وانتهى الأمر، ولكنها تمر بمراحل مختلفة، وما زالت مستمرة حتى تحقق أهدافها.