تقارير

ما حقيقة الموقف الأمريكي من حرب اليمن؟

19/12/2022, 17:29:55
المصدر : قناة بلقيس - عبد السلام قائد

يتسم الموقف الأمريكي من حرب اليمن بالغموض والتناقض، ولم تتبنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ بدء حرب اليمن قبل ثماني سنوات، أي موقف حاسم، فمن دعم التحالف بقيادة السعودية ضد مليشيا الحوثيين في بداية الحرب، إلى ظهور دعوات لوقف ذلك الدعم ووقف مبيعات الأسلحة للتحالف، ومن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية إلى إلغاء ذلك التصنيف ثم التلويح بإعادته مجددا، ومن الاعتراف بالحوثيين كطرف شرعي إلى الاعتراف بالحكومة المعترف بها دوليا كطرف شرعي وحيد، فضلا عما يثار بشأن ضغوط واشنطن للحيلولة دون دخول قوات الجيش الوطني إلى العاصمة صنعاء لتحريرها، وغير ذلك من المواقف المتناقضة.

وفي 15 ديسمبر الجاري، أعلن مجلس الشيوخ الأمريكي تأجيل التصويت على قرار سلطات الحرب الذي من شأنه وقف أي دعم أو مشاركة أمريكية في حرب اليمن، بما في ذلك التعاون اللوجستي والأمني وتجميد مبيعات الأسلحة للتحالف بقيادة السعودية، وأيضا تجميد كل المشاركات العسكرية. وفي 18 ديسمبر الجاري، دافع البيت الأبيض عن قراره بعرقلة قرار يتعلق بصلاحيات الحرب في مجلس الشيوخ كان من شأنه أن ينهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، قائلا إنه كان سيعرقل المحادثات الدبلوماسية الحساسة.

وبدورها، هددت مليشيا الحوثيين باستهداف المصالح الأمريكية، متهمة إدارة جو بايدن بالوقوف في وجه أي محاولة لإنهاء ما وصفته بالعدوان على اليمن، من خلال رفض مشروع قرار وقف دعم العمليات العسكرية السعودية في اليمن.

- تطورات الموقف الأمريكي من حرب اليمن

بالعودة إلى ما قبل انقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية واندلاع عملية "عاصفة الحزم"، وتحديدا إثر التوقيع على المبادرة الخليجية عام 2012، وصف السفير الأمريكي لدى اليمن حينها، جيرالد فايرستاين، مليشيا الحوثيين بأنها "فصيل سياسي يمني ولا بد من مشاركتها في الحياة السياسية كأي تيار سلمي"، وتفيد بعض المصادر بأن واشنطن (إدارة أوباما) حرصت على أن تنال مليشيا الحوثيين 30 مقعدا في مؤتمر الحوار الوطني.

هذا الدعم الأمريكي لمليشيا الحوثيين يأتي بعد ست جولات من حروب صعدة التي تسببت بها مليشيا الحوثيين، التي وصفها السفير الأمريكي فايرستاين بأنها "تيار سلمي" ولا بد من "مشاركتها في الحياة السياسية". وكانت واشنطن ترفض طلب الحكومة اليمنية بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية على خلفية حروب صعدة الست ورفعهم شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل"، في عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح وخلفه عبد ربه منصور هادي.

وبعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015، أكد وزير الخارجية الأمريكي حينها، جون كيري، أن بلاده تدعم السعودية من خلال مشاركة المعلومات الاستخباراتية والإسناد اللوجستي والمساعدة في عمليات التحديد والاستهداف. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أنشأت غرفة عمليات مع السعودية أطلق عليها "خلية التخطيط المشترك"، لتنسيق العمليات العسكرية والاستخباراتية في اليمن، بالإضافة إلى تزويد واشنطن طائرات التحالف بالوقود في الجو وتبادل المعلومات، والإسهام في تفتيش السفن ومحاولة اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية التي قد تكون في طريقها إلى مليشيا الحوثيين.

وفي أغسطس 2016، قلصت الولايات المتحدة عدد مستشاريها العسكريين في "خلية التخطيط المشترك"، وبدأت تظهر دعوات في الكونجرس الأمريكي لتأجيل صفقة أسلحة للسعودية تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، لكن إدارة ترامب عمدت إلى رفع الحظر المفروض عن تلك الصفقة، وازداد الدعم الأمريكي للسعودية بعد زيارة ترامب للرياض، واستحوذت صفقات السلاح وحدها على مبلغ 110 مليارات دولار من إجمالي عقد اتفاقيات بقيمة 480 مليار دولار في مختلف المجالات، غير أنه بعد تزايد إخفاقات السعودية وانتهاكاتها بحق المدنيين، بدأت تظهر أصوات في الكونجرس الأمريكي تدعو إلى ضرورة تقليص الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، وما زالت التفاعلات المتعلقة بذلك الدعم مستمرة حتى اليوم.

- الموقف من مليشيا الحوثيين

خلال المحادثات التي استضافتها الكويت بين الأطراف اليمنية وانتهت بالفشل، في يونيو 2016، اعتذر الحوثيون للولايات المتحدة الأمريكية عن شعارهم "الموت لأمريكا وإسرائيل"، واعترفوا بأن شعارهم هذا للاستهلاك المحلي فقط، ووسيلة لاستقطاب الشارع معهم، وخلق قضية بين أتباعهم للحفاظ على تماسكهم.

وقدم وفد مليشيا الحوثيين اعتذاره للأمريكان خلال لقائه وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، توماس شانون، وذكرت بعض المصادر حينها أن الحوثيين طلبوا من واشنطن الضغط على التحالف بقيادة السعودية للحيلولة دون دخول العاصمة صنعاء وتحريرها. ومن جانب آخر، وصفت نائبة السفير الأمريكي لدى اليمن شعار الحوثيين "الموت لأمريكا وإسرائيل" بأنه "مجرد شعار"، وأن "العداوة مزحة كبيرة".

وبعد انقلاب مليشيا الحوثيين وسيطرتها على العاصمة صنعاء، كانت تلمح بأنها ستتعاون مع المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، في محاولة منها لتسويق نفسها دوليا وصرف الأنظار عن حقيقة انقلابها. وبعد تمدد المعارك إلى محافظات عدة، استغل تحالف الحوثيين-صالح علاقتهم بواشنطن برفع إحداثيات للجانب الأمريكي تتضمن مواقع للمقاومة الشعبية في محافظة البيضاء باعتبارها مواقع لتنظيمات إرهابية، فقصفتها الولايات المتحدة بطائرات مسيرة، وصنفت قيادات في المقاومة الشعبية بالمحافظة ذاتها ضمن قوائم الإرهاب لديها.

وفي 10 يناير 2021، أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، تصنيف بلاده مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية، وأن التصنيف سيدخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2021، أي قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الفائز في الانتخابات جو بايدن، ووصف ذلك التصنيف بأنه ضمن سياسة الضغوط القصوى على إيران بهدف عرقلة العودة للاتفاق النووي الموقع في 2015، وانسحبت منه إدارة ترامب في منتصف 2018، بيد أنه سرعان ما ألغت إدارة جو بايدن قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بتصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية، وجاء قرار رفع إدارة بايدن مليشيا الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية كخطوة ثانية إثر توقف الولايات المتحدة عن تقديم الدعم العسكري للتحالف بقيادة السعودية.

لم يكن قرار واشنطن برفع مليشيا الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية صادما بقدر ما كان صادما تصريح المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينج، بأن بلاده تعترف بمليشيا الحوثيين "طرفا شرعيا في اليمن" و"مجموعة حققت مكاسب". وقال، في ندوة للمجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية، بتاريخ 24 يونيو 2021: "إنني تحدثت في مناسبات عدة عن شرعية الحوثيين، وأكدت أن الولايات المتحدة تعترف بهم طرفا شرعيا، والجماعة حققت مكاسب كبيرة، ولا أحد يتمنى إبعادهم خارج الصراع، ولذا فعلينا التعامل مع هذه الحقائق".

وبعد أن أبدى اليمنيون غضبهم واستياءهم من تصريحات ليندركينج، قالت وزارة الخارجية الأمريكية، في اليوم التالي، 25 يونيو 2021، إن واشنطن تعترف كبقية المجتمع الدولي بحكومة اليمن المعترف بها دوليا حكومة شرعية وحيدة. وأضافت الخارجية الأمريكية، في تغريدات على تويتر، أنه ثمة تقارير إعلامية خاطئة بشأن تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن ليندركينج بشأن الحوثيين، وقالت إنه "لا يمكن إبعاد الحوثيين من الصراع اليمني عبر التمني فقط، ويجب التعامل مع الحقائق على الأرض". وأشارت إلى أن "الحوثيين يسيطرون على الناس والأراضي في اليمن، غير أنهم بحاجة إلى أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من أي عملية سلام في اليمن".

- كيف يمكن فهم الموقف الأمريكي من الحوثيين؟

في الحقيقة، يعد اعتراف واشنطن بمليشيا الحوثيين "طرفا شرعيا" في اليمن بمنزلة انقلاب على القوانين والأعراف الدولية والدساتير لكل دولة من دول العالم والتي تجرّم الانقلابات العسكرية على السلطات الشرعية المنتخبة، وتتضمن مختلف الدساتير في العالم عقوبات رادعة بحق من يقودون الانقلابات ومحاكمتهم عسكريا، وتصل العقوبات أحيانا إلى الإعدام.

كما أن الاعتراف بشرعية طرف انقلابي يمثل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، ويؤسس لظاهرة غير معهودة في الأعراف السياسية والدبلوماسية، وذلك بشرعنة الانقلابات، وتشجيع جماعات العنف والإرهاب على الانقلابات العسكرية والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ويعد الاعتراف بشرعية الانقلابات العسكرية في أي بلد تعديا سافرا على سيادة الدول وقوانينها ودساتيرها التي تجرّم الانقلابات.

لكن كيف يمكن فهم مجمل الموقف الأمريكي من حرب اليمن بشكل عام؟ في الحقيقة، لا يشكل ذلك الموقف حالة استثنائية في سياسة واشنطن الخارجية إزاء منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمتمثلة في ضمان استمرار تدفق النفط والغاز، والحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي على جميع دول الإقليم، ومنع تقدم نفوذ أي طرف على نفوذ واشنطن في المنطقة، وجعل الإقليم في حالة مزمنة من التوتر وعدم الاستقرار، وفقا لمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يستهدف تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وإعادة هندسة المنطقة العربية بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل.

كما أن الولايات المتحدة تبدو غير راضية عن تقسيم المنطقة وفق اتفاقية سايكس-بيكو 1916، وإنما تعمل على تقسيمها من جديد وفقا لرؤيتها، حتى وإن كان المزاج الدولي يرفض مسألة التقسيم أو انفصال بعض الأقاليم، خشية من انتشار عدوى الانفصال، لكن ستكون البداية من إغراق المنطقة بتوترات طائفية وعرقية مزمنة تمهد لانقسامات ورسم خرائط جديدة للمنطقة.

وتمثل المليشيات الطائفية أحد أهم وسائل إضعاف المنطقة وتمزيقها، وستكون السعودية ذاتها هدفا مؤجلا لذلك التفتيت، وبالتالي فالولايات المتحدة تحول دون القضاء على المليشيات الطائفية لاستخدامها في مهام مؤجلة، سواء كفزاعات أمنية للحلفاء أو دول الخليج لخلق الحاجة الدائمة للحماية الغربية، أو استخدامها رأس حربة في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، ورسم خريطة جديدة للمنطقة على أنقاض اتفاقية سايكس-بيكو.

وبشأن التناقض الظاهري في الموقف الأمريكي من حرب اليمن، فهو يعكس محاولات واشنطن التوفيق بين أهداف عدة، مثل: صفقات الأسلحة، واستمرار تدفق النفط والغاز، والحفاظ على بقاء المليشيا الحوثية طرفا فاعلا في الخاصرة الجنوبية للسعودية، والحرب على الإرهاب، وتفتيت المنطقة، وأمن إسرائيل، وعدم منافسة أي قوة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وزرع بؤر توتر مزمنة، وغير ذلك.

ختاما، لا يمكن إغفال دور الحكومة اليمنية الشرعية في الاستجابة للمخططات الخارجية لتفتيت البلاد، فتفتيت اليمن وإضعافه هدف سعودي وإماراتي، وتفتيت المنطقة بشكل عام وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ هدف أمريكي، وإذا حسم اليمنيون أمرهم في التوحد والقضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، فلن تتدخل أي دولة عسكريا لمنع الحكومة اليمنية من استعادة الدولة وممارسة صلاحياتها القانونية والدستورية في القضاء على الانقلاب وعلى المليشيات المتمردة.

تقارير

الهجمات الإسرائيلية الحوثية.. هل ستتجه الأوضاع إلى مرحلة خطيرة من التصعيد؟

يتصاعد التوتر بين الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا الحوثي في اليمن، ويدخل مرحلة خطيرة، حيث أشار تحليل لمعهد أمريكي إلى أن إسرائيل والحوثيين دخلا مرحلة خطيرة من التصعيد، مؤكداً أن النتيجة الوحيدة المضمونة هي المزيد من معاناة المدنيين وزيادة المخاطر على الأمن البحري والإقليمي.

تقارير

المخفيون قسرا في اليمن.. ما الآثار النفسية والاجتماعية والأسرية لغيابهم الممتد؟

الاختفاء القسري في اليمن يتجاوز كونه انتهاكاً لحقوق الأفراد، فهو أسلوب متعمد لإعادة تشكيل المجتمع بالخوف، يُنتزع الأشخاص من حياتهم بلا أثر لتبقى أسرهم عالقة في فراغ قاسٍ بين الرجاء واليأس. ومع كل حالة اختفاء يتسع الشرخ في البنية الاجتماعية، أسر بلا مُعيل، أطفال بلا سند، نساء يواجهن العزلة والضغط، ومجتمع يفقد ركائزه البشرية واحدة تلو الأخرى.

تقارير

هديل.. طالبة حولت بتر يديها إلى قصة نجاح ملهمة في جامعة تعز

“لم يكن ما حدث لي نهاية حياتي، بل بداية جديدة لمستقبل مشرق أراه قريبًا”، بهذه الكلمات تختصر هديل محمود (20 عامًا)، الطالبة في كلية الإعلام بجامعة تعز، رحلتها القاسية منذ أن فقدت يديها وهي في الثانية عشرة من عمرها، لتصبح اليوم واحدة من أكثر قصص النجاح والإلهام في مدينة عرفت الحرب والحصار منذ عقد كامل.

تقارير

موارد مبعثرة وتراخٍ حكومي.. البنك المركزي في مواجهة عجز الرواتب وضغط المؤسسات الإيرادية

تواجه الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، عجزا متصاعدا في صرف رواتب موظفي الدولة، وسط توقف إنتاج وتصدير النفط والغاز، وتشظي الموارد المالية، وامتناع العديد من المؤسسات الحكومية عن توريد إيراداتها الى الخزينة العامة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.