تقارير
تفكك الهوية الوطنية والأخلاقية العربية.. كيف أصبحت الشعوب العربية ترى حرب غزة؟
الشارع الغربي، اليوم، محموم بما يحدث في غزة، بعيدا عن المؤسسات الدولية والأدوات الناعمة، حيث يتصاعد صوت غاضب هناك، وبات الوعي بالقضية الفلسطينية منتشرا بسرعة فائقة، مقارنة بما كان يشغل مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه بات يخفت في الشارع العربي، حيث بات يتصاعد يوما ويخفت أياما، وهو مؤشر عن ازدحام جدول الأيام العربية بالفشل السياسي، والتخاذل من قِبل الحكومات المرتهنة لأمريكا وإسرائيل وإيران.
فقدان إستراتيجية الموقف العربي الموحّد تجاه قضايا الأمة، وأبرزها قضية فلسطين؛ يظهر أن المنطقة كلها تقبع في ويلات تبعات المد الإيراني، وعبث المؤسسات الغربية وتواطؤها إلى جانب تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني بشكل علني.
- إجحاد بحق الشعوب العربية
يقول الكاتب والمحلل السياسي - نظير الكندوري: "ربما لو تحدثنا في موضوع التضامن الشعبي والعربي أمام التحديات، التي يواجهها الشعب الفلسطيني، لا نستطيع أن نعطيه تقييمًا دقيقًا، ولربما ندخل في حالات من الظلم، تقييم غير دقيق لردود شعوبنا بالذات".
وأضاف: "الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين، والكثير من الناشطين، ألقوا اللوم كثيرًا على شعوبنا العربية، وأنا لا أتفق مع هذا المنحى، شعوبنا العربية شعوب حيّة، وقد تفاعلت مع ما يحدث في غزة بكل وجدانها، لكن شعوبنا العربية رازحة تحت أنظمة مختلفة عن الأنظمة الموجودة في العالم".
وتابع: "بالوقت الذي نرى أن دولا أوروبية، أو حتى في شمال أمريكا الشمالية، نجد أن التعبير للشعوب تعبير قوي".
وأردف: "ربما هذه الأنظمة قد حاولت رد استيعاب فعل الشعوب العربية تجاه ما يحدث من مجازر في غزة، ولكن حاولت أن تجعل فرملة لهذا التدفق العاطفي، حتى لا تتحول إلى ثورات ضد هذه الأنظمة، التي لا تحرك ساكنًا تجاه ما يحدث في غزة".
وزاد: "بعض الأنظمة العربية خشيت حتى من التضامن الذي حدث في يوم الاثنين السابق، حينما حدث إضراب كبير، وشاركت فيه عواصم عربية كثيرة، وصل بهم الأمر أن يناقشوا كيف لهذه الشعوب أن قامت بكذا إضراب، ويخشوا من هذا الإضراب، لربما يتحول إلى عصيان مدني ضد أنظمتها".
وقال: "بعض الحكام العرب عقدوا الاجتماعات مع قادة الجيش السابقين والموجودين؛ لمناقشة كيف يمكن أن تحول ما بين تطور هذا الدافع لدى الشعوب، ولا يتحول إلى حراك شعبي، ربما يهدد أنظمتها"
وأضاف: "لا أتفق مع من يظلم شعوبنا العربية، الشعوب العربية مسلط عليها أنظمة تذيقها العذاب، بل إن الناشطين يتم التقاطهم والزّج بهم في السجون".
وتابع: "نعرف أن الشعوب بدون قيادات، بدون ناشطين يقودون حراكها الشعبي لا تستطيع أن تعمل شيئا كما هو الحال موجود في دول أوروبا، التي تقود هذه التظاهرات، وهذه الفعاليات الشعبية منظمات تابعة للمجتمع المدني، وقادرة على تنظيم الصفوف، وإحداث الفعل المنشود، بينما هذا كله غير موجود في بلداننا العربية بأي شكل من الأشكال".
وأردف: "الأنظمة العربية قد أخذت العبرة من الربيع العربي، وقالت بأن أي متنفس للشعوب العربية ممكن أن يؤدي إلى زوال أنظمتهم، لذلك قاموا بالشيء الصحيح بالنسبة لهم، جعل هذه الشعوب خالية من رموز وطنية، خالية من نشاط سياسي، خالية من الأحزاب الوطنية، وتبث للإعلام في هذه الأنظمة معاني بالية من هذه الفتاوى تجعلهم خاضعين لأنظمتهم، وجعل أن هذه الشعوب فاقدة للأهليّة، وقاصرة عن التفكير، وأن الأهليّة والتفكير الصحيح هو متجسد في رأس النظام فقط، وهذا إجحاد بحق هذه الشعوب".
وقال: "هذه الشعوب العربية حينما حاولت أن تفعل شيئًا حقيقيًّا لمساندة غزة واجهتها الآلة العسكرية التابعة لهذه الأنظمة، فصمدت وسكتت، والخشية كل الخشية من هذا السكوت لهذه الشعوب، لأن الشعوب إذا انعدمت لديها الوسيلة الآمنة للتعبير عمّا يجول في خاطرها ووجدانها ستلجأ إلى أساليب أخرى، ولربما ستكون هذه الأنظمة المستبدة هي إحدى ضحايا هذه الشعوب، التي ستثور وتصل إلى مرحلة الانفجار".
- واقع مهترئ ومتأزم
يقول المحلل السياسي - عماد أبو الروس: "كما نعلم بأن معركة 7 أكتوبر عندما بدأت كانت الرواية الإسرائيلية هي الغالبة عن الرواية الفلسطينية، خاصةً فيما حدث في عملية طوفان الأقصى، لكن رويدًا رويدًا أصبح هناك تغيّر في الرواية؛ لأن الحقائق أصبحت واضحة أمام المجتمع الغربي بشكل أساسي".
وأضاف: "أصبح المجتمع الغربي يبحث عن تفاصيل القضية، ويتحدث عنها - في عالم السوشيال ميديا - وبدأ يدرك أن الاحتلال الإسرائيلي بالفعل يمارس مجازر إبادة جماعية تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأن ما حدث في عملية طوفان الأقصى غير مبرر له، وأن عمليات القتل المتواصلة هي عملية تستهدف النساء والأطفال بشكل أساسي".
وأشار إلى أنه "لأول مرة نشاهد بأن المظاهرات في لندن فاقت المظاهرات في مناطق عربية، ولأول مرة البيت الأبيض يشهد مظاهرات مناصرة للقضية الفلسطينية، وأن موظفي البيت الأبيض أصبحوا ينضمّون إلى هذه الحملات".
وتابع: "أمام هذا كله يبقى القادة هم من يحركون الشعوب، والشعوب هي التي تضغط على حكوماتها، لكن للأسف! نحن نتحدث عن واقع عربي مهترئ ومتأزّم - ما بين أزمات بعد ثورات الربيع العربي والحركات المضادة لها، وإرهاق المنطقة في الأزمات، سواءً في سوريا أو العراق أو في اليمن أو ليبيا".
وأردف: "أصبح المواطن العربي يتحدث عن قضيته التي لامست مأكله ومشربه وحياته اليومية، أصبحت أولوية لديه، وأثرّت على القضية الفلسطينية في وجدانه وفي عقله".
وزاد: "أمام هذه السنوات الطويلة، التي كانت هدفًا لاستهداف العقول العربية، كان هدف أمريكي غربي وإسرائيلي في إطار تفويض القضية الفلسطينية".
وير أن "حكومة الاحتلال الإسرائيلي، مع تصاعد الشعبوية اليمينية، سواءً في العالم أو في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بدأت تنظر إلى أن القضية الفلسطينية الآن أصبحت قضية ثانوية لدى الشعوب العربية، لذلك حان الوقت لكي نتحدث عن عملية التطبيع مع الشعوب العربية".
وأشار إلى أن "هناك حراكا وتضامنا واضحا من الشعوب العربية تجاه ما يجري في قطاع غزة، الجميع أصبح ينام ويصحى على شاشات التلفاز، أو متابعة الأخبار، وهمه تجاه ما يحدث في قطاع غزة، لكن الشعوب العربية بحاجة إلى قادة، إلى من يوجهها لمواجهة هذه الإبادة، التي يجب أن تكون المشاركة فيها ترتقي إلى مستوى الإبادة والمجازر".
وقال: "الاحتلال الإسرائيلي عندما قام بقصف مستشفى المعمداني، وحاول إلصاق التهمة بأحد الفصائل الفلسطينية وجد أن هناك تخافُتا في الموقف العربي الرسمي، والموقف العربي الشعبي".
وتابع: "أقول، وليس في إطار المبالغة، إن الحِراك الشعبي في الأردن وصل لحد التهديد الإستراتيجي للاحتلال الإسرائيلي، وكان من أحد عوامل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".
وأردف: "الحراك في الداخل المحتل، في الضفة الغربية، في الدول العربية، الحراك في المنطقة الغربية، في ذلك الوقت كان حِراكا يتناسب مع إجرام الاحتلال الإسرائيلي، وساهم بشكل أساسي بوقف الإجرام الإسرائيلي".
وزاد: "نتحدث أين الشعوب العربية تجاه إبادة جماعية حقيقية، للأسف نحن طُوعنا على أن ما يجري في قطاع غزة في إطار عدوان من شكل آخر، نحن لا نتحدث عن مجزرة إبادة جماعية تحدث في قطاع غزة، نحن نتحدث عن قصفها لقضية فلسطينية تتم حاليًا".
ويرى أنه "إذا لم تكن الدول والشعوب العربية في الموقف الذي يجب أن تكونها الأيدي، فسيكون الحديث ما بعد قطاع غزة هو الحديث عن الأردن، عن سوريا، عن العراق، عن اليمن، عن عملية تصفية للوحدة العربية، وإدخال فايروس إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، لذلك يجب أن يكون هنالك حراك".
وقال: "باختصار نحن بحاجة إلى توجيه يقع على عاتق علماء الأمة بشكل أساسي، يجب أن تخرج فتوى للشعب العربي للجهاد من أجل فلسطين، يجب أن يحرك هؤلاء القادة الشارع العربي باتجاه السفارات الأمريكية والبريطانية، وجميع السفارات التي تشارك وتساند الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه".
وأضاف: "نحتاج إلى عبدالله عزام جديد في المنطقة، إذا تحركت الشعوب العربية بتوجيهات قادة حقيقيين يقودون هذه الشعوب، فإن العدوان الإسرائيلي قد يتوقف على قطاع غزة، الشعوب تحتاج إلى من يوجهها باتجاه مساندتها للشعب الفلسطيني".
وتابع: "عملية الإبادة الجماعية أصبحت قبرا يوميا بالنسبة للجميع، يجب أن يشعر حكام العرب بأن ما يجري في قطاع غزة سيهدد الأمن القومي الإقليمي في المنطقة، ويهدد أماكنهم في المنطقة".