تقارير

"فتحية الجرافي".. عقدان من الفراق على رحيل البردوني

20/12/2020, 08:10:18
المصدر : كريم حسن

حين هاتفتها بشأن تحديد موعد للقائها، والحديث معها، فضّلت ألا يكون في المنزل الذي تتشاركه مع بقية أفراد أُسرتها، لعدّة أسباب تخصّها.

وخلال المُهاتفة حددت متى وأين ألتقيها؟

في مقبرة "خُزيمة"، بالعاصمة صنعاء، حيث يرقد زوجها، شاعر اليمن الكبير الراحل عبدالله البردوني. وعند التاسعة صباح الجمعة، الموافق 18 ديسمبر/ كانون أول، مع البرد القارس، كعادتها في زيارة قبر الرجل "خالد الذِّكر"، صباح كل يوم الجمعة، تقرأ الفاتحة على روح الفقيد، وتتفقد الضريح من أي ضرر قد يصيبه. مستمرة في هذا النمط، منذ قُرابة "21" عاما، مرّت على رحيل الشاعر الفذ.

تقول فتحية الجرافي: "سيبقى وفائي للفقيد الذي كان يمنحني جُل اهتمامه خلال حياتنا الزوجية". 

كان يناديها الأستاذ "فتّوحة" فأحبّت فتحية هذا الاسم، فيما هي لم تكن تناديه إلا بصفته: "الأستاذ" فقط.

تبدو هي اليوم متماسكة، قوية، وذهنها حاضر، وما تزال مُلمّة بأدق تفاصيل حياتها، سواءً قبل، أو بعد زواجها من الشاعر البردوني، أو الأحداث التي مرّت عليها بعد رحيله. 

تقول الجرافي ل"بلقيس": "لقد حزنته يوم وفاته حزناً كبيراً. وما ضاعف حُزني بعد ثلاثة أيام من وفاته، قدوم أقارب الفقيد (ابن أخيه، وأبناء أخته) لمطالبتي بالورث الذي تركه، والأستاذ لم يكن لديه سوى بيت في بستان السلطان بصنعاء، والكتب والمجلدات التي كان يملكها، وهي حق اليمنيين كلهم، والموروث الذي تركه ليس حكراً على أحد. وكان قد أوصى أن يتحوّل المنزل بعد رحيله إلى مكتبة خاصة بمؤلفاته، وتشرف عليها الدولة، ممثلة بوزارة الثقافة، وكنت قد سلمت جميع المطبوعات للدولة، لكن أقاربه أصروا على إيصال القضية إلى المحكمة بشأن بيتي الذي أملكه في الحيّ السياسي، بأنه يجب توزيعه بين الورثة، لكن المحكمة أقرّت بملكية المنزل لي بعد عشر سنوات من التقاضي، كما نجحت في تنفيذ وصية الشاعر الراحل عبر المحكمة، بأن يتم تحويل المنزل الذي تركه في بستان السلطان للموروث الأدبي، الذي تركه الأستاذ لأبناء الشعب اليمني".

تزوّج البردوني من فتحية الجرافي في العام 1976، إبان حُكم الرئيس إبراهيم الحمدي لما كان يُعرف ب"الجمهورية العربية اليمنية". وهي الزوجة الثانية للشاعر، بعد وفاة زوجته الأولى "فاطمة الحمامي". 

تتحدث فتحية بشغف بالغ عن بدايات معرفتها بالأستاذ البردوني، عندما كان مديراً للبرامج بإذاعة صنعاء، وهي مديرة لمدرسة "بلقيس" المجاورة للإذاعة، إذ كانت طالباتها يطلبن منها سماع الأستاذ وهو يُلقي الشعر. 

تقول: "وأنا كنت أتصل به، وأحاكيه برغبة الطالبات سماع صوته، كان يلبّي الطّلب، من هنا تعرفنا على بعض أكثر، وبعد رحيل زوجته الأولى عرض عليَّ الزواج، فوافقت".

وعن الفترة، التي قضاياها معاً كزوجين، تقول "كان البردوني مُحباً، ودوداً، كريماً، طيباً ومتعاوناً، ولم نختلف خلال حياتنا الزوجية، لأن نحن الاثنين مشغولين، هو مشغول طول اليوم باستقبال ضيوفه ومحبّيه، وأنا مشغولة في وظيفتي".

ويظهر هذا الحب في قصيدة "جلوة"، التي نسجها البردوني ل"فتحية"، في يوليو 1978م، يقول مطلعها: 

كرائحة الصمت بعد الضجيج كإغفاءة الحزن بعد النشيج 

وكون البردوني فاقدا للبصر، وحوله فريق من الكُتاب والقُراء، ممن أُوكلت لهم مهمتا القراءة والكتابة، أو تدوين ما يقوله في مختلف الجوانب الأدبية، إلا أنها كانت تقرأ له بعض الأحيان ما يطلُب منها، أو تدوّن ما يقوله. 

تقول: "أحياناً كنت أُبدي ملاحظاتي، وهو يتقبلها دون زعل". 

وقد رافقت البردوني في معظم سفرياته، التي كان يُدعى إليها من خارج الوطن، لحضور مؤتمرات شعرية وغيرها. 

تحسم فتحية الجدل حول الدواوين، التي لم تُنشر، منذ رحيل الشاعر عبدالله البردوني في 30 أغسطس/ آب (1999)، أُشيعت عدد من الروايات حول اختفاء مجموعة من مؤلفاته، التي لم تكن قد طُبعت ونُشرت، وما تزال في مسوداتها الرئيسية. لكن حقيقة تلك الشائعات نفتها زوجة الشاعر الراحل، وكشفت حقيقة الأمر، تقول: "لم يكن لديه سوى ديوانين مخطوطين، و لم يطبعا حتى اليوم، الأول 'رحلة من شاب قرناها'، والثاني 'العشق على مرافئ القمر'، وقد أخذتهما بعد رحيله من البيت وخبأتهما عند الحاج محمد الشاطبي، أحد أهم كتَبَة الأستاذ، وهو صديق وجليس دائم للأستاذ، وامتدت صداقتهما تقريباً 50 عاماً، بحيث كان يلازمه غالبية أوقاته، أما بقية الكُتب التي يقال إنها مازالت مخطوطة، هي مقالات كان الأستاذ ينشرها في عدد من الصحف المحلية".

قضت "فتّوحة" بقيّة عمرها في مواجهة كل الخلافات، التي نشبت بعد رحيل زوجها الشاعر والكاتب والمؤرخ والناقد الأستاذ الراحل عبدالله البردوني قبل 21 عاما. وعلى عكس الدول المتقدّمة، التي تعمل على توفير القدر الكافي من الرعاية والاهتمام بعوائل مبدعيها، تعيش أرملة الأستاذ البردوني بلا راتبها التقاعدي، والذي توقف منذ فترة، ضمن مرتبات جميع المتقاعدين الموقوفة. 

تقول عن نفسها: "خدمت البلاد قرابة 40 عاماً كموظفة وزوجة أهم شاعر وكاتب ومؤرخ في اليمن والعالم العربي"، تُمضي ما بقى لها من عُمر دون أي تكريم يُذكر، تبتسم "فتّوحة" بوقار، رغم ألم الفُقد والغُلب، الذي مرّت به بعد رحيل "الأستاذ".

تقارير

مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف تحوّلت إلى حلبة صراع ونشر للكراهية؟

في عصرنا الرقمي، باتت مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، تُشكل مساحةً للتواصل والتعبير، وتُتيح فرصاً للتبادل الثقافي والتعلم، لكن تحوَّل هذا الفضاء الافتراضي إلى ساحة للصراع، حيث تُنشر الكراهية والأحقاد، وتُهدد القيم والأخلاق، وتُشكل خطراً على الأمن والاستقرار

تقارير

كيف يمكن إنقاذ قطاع الكهرباء من حالتي الفساد والفشل؟

يعاني قطاع الكهرباء في اليمن من أزمة عميقة تلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة، فمع انقطاع التيار الكهربائي بشكل دائم في بعض المناطق، ومتكرر في مناطق أخرى، يصبح الحصول على الطاقة، وتوفير الكهرباء المستقرة، هاجسا يشغل بال جميع اليمنيين.

تقارير

كيف تمكنت شركة فيليب موريس إنترناشونال من تأمين حصتها في أحد أسواق السجائر المتنامية القليلة في العالم

هذه القصة جزء من سلسلة تحقيقات "التدخين من أجل الدولة" ، وهي سلسلة تتناول شركات التبغ التي تحت سيطرة الحكومة، والقصة مدعومة جزئيًا بمنحة من مركز بوليتزر. و تم إعداد هذا الجزء بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد.

تقارير

آخر ملجأ للفلسطينيين.. تداعيات إنسانية وكارثية على الأبواب

اجتياح معبر رفح جريمة حرب جديدة على مرأى ومسمع من العالم، حيث أعلنت هيئة المعابر الفلسطينية توقف حركة المسافرين، ودخول المساعدات بالكامل إلى قطاع غزة، بعدما اقتحمت الدبابات الإسرائيلية معبر رفح، وأغلتقه أمام المساعدات الإنسانية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.